القاهرة في ١٧ / ٨ / ٢٠٢٤
حاوره : بدر الدين العتَّاق
مدخل مهم
إذا لم تخالطه فإنك تجهله؛ فهو يبدو من أول وهلة متغطرس مغتر بنفسه لا يبالي ولا ينظر لمن حوله؛ وكلَّما اقتربت منه تبيَّن لك هذا الانطباع الفطير؛ إذ من الصعب أن تجد معه فسحة من الزمن لتدير معه حواراً ناهيك عن أن تجد معه وصولاً أو تساؤلاً منفرداً؛ فهو إمَّا مشغول بمن حوله مهتم بهم وإمَّا في ندوة وقتها أضيق من سَمِّ الخياط؛ لكن تبعته عدداً من المرَّات وفي كل مرة اسأله سؤالاً أو أكثر حول موضوع أو أكثر؛ فكوَّنت معه حصيلة من الإجابات في شكل مداخلات أثناء إقامة الندوات والمحاضرات هنا في القاهرة متفرقات وإن كان على سبيل المراسلات عبر الواتساب .
الأستاذ عبد العزيز بركة ساكن؛ رجل يحمل من صفات الإنسانية بكل صدق وبكل فخر ما لا يحمله مثله في وقتنا هذا؛ ولا أقول هذا مجاملاً او مغالياً أو متكلفاً حاشا لله فهذا رأيي فيه بكل صراحة وتجرد ، وكان له أن يتعالى على القيم الإنسانية بمكانته وشهرته العالميتين لكنه مشدود لبيئته السودانوية المحضة مخلص لها منتمي إليها وإلى البسطاء والمهمشين ومفترشي الأرصفة والمتسولين والضعيفين والمثقفين والأدباء والمفكرين من مختلف الفئات العمرية والجنسيات العالمية أيضاً؛ فهو رجل بقامة وطن؛ بل بقامة عالمية في لباس محلي الفكرة والطبع والنمطية التقليدية بلا شك.
مضابط الحوار :
- أستاذ بركه ساكن؛ هل تعتبر نفسك وحدة قياس لكتاب الرواية العربية ؟.
_ أنا لا أعتبر نفسي وحدة قياس مطلقاً؛ فأنا أكتب من أجل الفكرة التي تخطر على بالي؛ ولكل كاتب الحق في أن يكتب بالطريقة التي تعجبه وللناس التذوق سلباً أو إيجاباً.
*أنا سألتك هذا السؤال لما نما إلى علمي من حوار دار بين الأستاذ المرحوم / عيسى الحلو؛ والأستاذ الدكتور / أمير تاج السر؛ إذ أنَّ الحلو قال بوحدة قياس الطيب صالح الروائية؛ فرد عليه الدكتور أمير تاج السر؛ بأنَّه لا يمكن وضع الطيب صالح رغم مكانته وعالميته وحدة قياس لكتاب الرواية؛ فــــ – حوا والدة – هناك من سيأتي أكبر وأقوى من الطيب صالح؛ ما رأيك في هذا الحديث ؟.
_ لا شك أنَّ الطيب صالح؛ رجل عظيم وكاتب عالمي مرموق؛ ومسألة وحدة القياس مسألة صعبة وتعتمد على الذوق العام للقارئ لا على رأي واحد. - البعض يقول : ليس لعبد العزيز بركة ساكن؛ أن يكتب باسم المهمشين والكادحين والمثقفين وما إلى ذلك؛ فهو لم يتعرض للاعتقالات ولا للتعذيب من رجال الأمن ولا للسجون و – لقاها بااااردة – غيرها؛ ما ردك ؟.
_ ) شعرت بأنَّ السؤال لم يعجبه وأخذ هنيهة بعيدة للتأمل ثم قال :
_أنظر إلى عيني اليمين – ونظرت إليها فإذا هي معطوبة من الخارج أثرت في نظره من الداخل – هذه الضربة من رجال الأمن في زمن الإنقاذ الوطني وأنا أتعرض للاعتقالات والمضايقات منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي؛ حتى هروبي من السودان؛ وأنا من أكثر الناس الذين تعرضوا للاعتقال ومصادرة أعمالي الأدبية؛ وهؤلاء ليس لهم الحق في ذلك؛ – ديل بتكلموا سااااكت ما عارفين شي. - بمن تأثرت في بداية كتاباتك الروائية ؟ .
_ تأثرت بالكاتب دوقلار/ ربَّما كتبت اسمه خطأ للاستعجال وضيق الوقت فلساكن وللقارئ العتبى والتصحيح/ الكاتب الشهير فهو أول من تأثرت به وكنت أحمل رواياته معي هنا في القاهرة أول حضوري إليها ؛ ثم قرأت مئات الكتب والروايات بعدها ؛ وبدا لي نقل فكرة العمل الروائي من داخل قضايا السودان المحلية.
*. هل تأثرت بالطيب صالح ؟.
_ لا؛ لم أتأثر به؛ لكني قرأت جميع أعماله الروائية بلا شك. - ما أثر النقد في الوسط الأدبي والثقافي بعامَّة؛ في رأيك؟ .
_ النقد موجود لكنه قليل بالنسبة لبروزه على سطح الأعمال الأدبية مقارنة مع المنتوج الروائي ؛ وفي السودان مثلاً يعتمد النقد على رأي الناقد الواحد أو الاثنين في أحسن الأحوال؛ وفي أوروبا مثلاً يعتمد النقد على مجموعة متمرسة ومدارس فكرية تنبع من القرَّاء أولاً؛ ثم القراءات الجادة ثانياً؛ فيتشكل الرأي العام حول الكاتب سلباً أو إيجاباً.
بمعنى أن النقد يقوم على مؤسسية لا على رأي آحادي أغلب الأحيان. - هل تمت لك معالجات فنية لتحويل أعمالك الأدبية إلى أفلام سينمائية ؟.
_ نعم ! لكن في إطار ضيق وهناك بعض الشباب من السودانيين بالاتفاق معهم في تحويل بعض أعمالي الروائية لأفلام يعملون عليها حالياً .
*إلى أي مدى يمكن أن تؤثر الرواية على تغيير حركة المجتمع ؟.
_ الرواية تنبع من المجتمع أصلاً؛ وهدفها طرح ومعالجة القضايا التي تهم الناس وتوصيلها لأعلى المستويات؛ وإذا لم يكن هذا دورها فلا معنى لها. - ما هي مصادر إلهامك لكتابة الرواية ؟.
_ الناس؛ والمواقف والتأثيرات بها؛ مثلاً؛ روايتي ” مسيح دارفور ” كتبتها عن حالة امرأة من دارفور كانت تقف على باب مدرسة بعد خور اردمتا؛ أيام كنت أعمل في الأمم المتحدة؛ فأمر صباحاً أجدها واقفة على باب المدرسة تنتظر خروج أطفالها من المدرسة الذين لن يأتوا؛ ثم أعود في المساء نهاية العمل فأجدها واقفة في مكانها؛ فتكررت الصورة لمدة طويلة؛ فسألت عنها لماذا تقف هذه المرأة يومياً على باب المدرسة؛ فأخبروني بأنَّ جماعة مسلحة قتلوا أطفالها وزوجها وكانت يومياً تذهب بهم إلى المدرسة؛ فتألمت جداً لحالها؛ وكانت مصدر إلهامي لكتابة الرواية.
ياااااااا أستاذ بدر الدين العتَّاق؛ لن تجد ذكر لهذه المرأة في الرواية ولكنك واجد خلفياتها وحالها نموذجاً لغيرها.
الأمر الثاني؛ روايتي ” الأرض الخراب ” التي كتبت أنت عنها كلمة ضافية؛ كانت عن تأثري بقصيدة تي إس إليوت lose land؛ وروايتي ” الجنقو مسامير الأرض” مصدرها عمال الزراعة والحصاد الموسميين في قريتي خشم القربة بالحي الجنوبي من كسلا؛ وهكذا. - حسناً! حدِّثنا عن الجوائز والتكريمات ؟ .
- ( هناك نوعان من الجوائز؛ مادية ومعنوية – يشير إلى نيله وسام الجمهورية الفرنسية الذهبي مؤخراً – أنا أفضل المادية طبعاً – وأخذ يضحك؛ وأكمل : الفائدة هنا ) .
- حدِّثنا عن مشروعك الكتابي الحالي غير ” الأشوس ، الذي حلَّقت أحلامه مثل طائرة مسيرة ” الذي صدر مؤخراً بالقاهرة ؟ .
- هو كتاب ” انطولوجيا القصَّة القصيرة في الأدب العربي الأفريقي ” الذي قدَّم له الدكتور / آدم يوسف ، والدكتورة / مواهب إبراهيم ، باختيار ست دول من السودان وجنوب السودان وجيبوتي وتشاد والصومال واريتريا ، الذي تم الإعداد له قرابة الأربع سنوات وستنشره له دار عندليب قريباً إن شاء الله ، كما أعد كتاباً آخر عن ذات الفكرة لكن عن الروائيين من شمال أفريقيا كتونس والمغرب العربي ومصر وليبيا وخلافه .
- كثيراً ما تهدي كتبك لوالدتك الحاجة مريم بنت أبو جبرين – رحمها الله – لماذا ؟ .
- حقيقة أنا بسمع كلام أمي تماماً وهي عندي أعظم حاجة وبحبها شديد ، تقول لي أمشي كدا أمشي كدا ، وأهديت ليها جميع كتبي ” الجِنِّي الذي قالت أمي مريم إنَّه يملي علي القصص ” ، حتى كتابي الأخير الأشوس أهديته لها ، لما لها عليَّ من فضل مدى الحياة .