مدونة الفكر العربي ١٢ شباط ٢٠٢٢
التنمُّر الإلكترونيّ هو تنمُّرٌ باستخدام التقنيّات الرقميّة، ويُمكِن أن يحدثَ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وعلى مِنصّات المراسلة، ومنصّات الألعاب والهواتف المحمولة، وهو سلوكٌ متكرِّرٌ يهدُف إلى إخافة المستهدَفين بِهِ أوإلى استفزازِهِم أو تشويهِ سِمعتِهِم
قد يكون التنمُّرُ أبشعَ عملٍ يقوم به الإنسانُ تجاه الآخرين، وعلى الرّغم مِن أنّه لا يُعتبَر ظاهرةً جديدة، إلّا أنّه انتقل اليوم مِنَ المباشر إلى العالم الافتراضيّ، ما يجعله أكثرَ خطورةً، فيُطلِق المتَنمِّرُ العنانَ لمخيِّلته الواسعة، متناسياً أنّ الأشخاصَ الَّذين يستهدفهم هم بشرٌ لديهم مِن المشاعر والأحاسيس ما يمكن أن يولّد عندهم ردودَ فعلٍ قد تبلغ حدَّ الانتحار
فلنتعرّف إلى أشكال التنمُّر الإلكترونيّ، وإلى أضراره، وكيف يتعامل العالمُ العربيُّ معه على المستوى القانونيّ؟
يُعَدُّ التنمُّرُ الإلكترونيّ أسوأَ مِنَ التنمُّرِ في الواقع، فالشخصُ الَّذي يتعرّض للتنمُّرغالباً ما يكون وحيداً، وهو يسمع أو يرى العباراتِ والكلماتِ الَّتي تُوجَّه إليه عبر شاشتِهِ الإلكترونيّة، وقد أظهرت الدِّراسات أنّ 38 % ممَّن يتعرَّضون للتنمُّر الإلكترونيّ لا يُخبِرون ذويهم بذلك، وبالتالي فهو أخطرُ وأسوأُ من التنمُّر الواقعيّ الذي يحدث في المدارس أو في المكاتب أو الأماكن الأخرى، كما أكّدت الدِّراسات أنّ 58,5% من الشباب عاينوا نوعاً ما من أعمال العنف ضدَّ أشخاصٍ آخرين، فيما اعترف ما نسبته 47,7 % أنّهم اقترفوا أحدَ أشكال هذا العنف
بدايةً فلنتعرّف إلى التنمُّر الإلكترونيّ وما هي أشكاله
التنمُّر الإلكترونيّ هو تنمُّرٌ باستخدام التقنيّات الرقميّة، ويُمكِن أن يحدثَ على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وعلى مِنصّات المراسلة، ومنصّات الألعاب والهواتف المحمولة، وهو سلوكٌ متكرِّرٌ يهدُف إلى إخافة المستهدَفين بِهِ أوإلى استفزازِهِم أو تشويهِ سِمعتِهِم
هناك العديدُ من الممارسات التي تُصنَّف ضِمن التنمُّر الإلكترونيّ التي يتعرّض لها الأطفالُ والمراهقون وحتّى البالغون عبر الإنتِرنت، مثل إرسال عباراتِ سخريَة، التهديد والابتزاز، الشتم بكلماتٍ وعباراتٍ خادشة للحياء، التصوير بقصد الابتزاز أو السخريَة، نشر صور ومعلومات غير لائِقة، وقد يتجاوز التنمُّر الإلكترونيّ الحدود إلى سلوكٍ غيرِ قانونيٍّ أو إجراميّ
وقد تكون وسائلُ التواصل الاجتماعيّ ملعباً واسعاً لهذه الممارسات التي يُمكِن أن يتعرّضَ لها الجميع، إلّا أنّ الأطفالَ والمراهقين هم الأكثرُ عرضةً وتأثّراً بها، لأنّهم لا يملكون الخبرة الكافية والوعي لمواجهتها، وهنا تأتي مسؤوليّة الأهل في تقديم النصائح وتوعية أطفالهم على مخاطر التنمُّر وكيفيَّة مواجهته، لذا من الضروريّ تنبيهُ الأطفال بعدم إتاحة المجال للتواصل بشكلٍ مباشر مع غرباء أو لمشاركة معلومات أو صور أو حتّى فيديوهات خاصّة بهم
وهنا لا بدّ من إسداء بعض النصائح للأهل لحماية أبنائهم من التنمُّر الإلكترونيّ وهِي
مراقبةُ ساعاتِ اتِّصال الأطفال بالإنترنت
تحذيرُهم من مشاركة المعلومات الشخصيّة مع الغرباء
توجيهُ الأولاد ومتابعتُهُم في نوعيّة المعلومات التي يُشارِكونها على شبكات التواصل
محاورةُ الأبناء بشكلٍ مستمرٍّ بخصوص ما يحصل معهم في أثناء اللّعب على منصّات الألعابِ والحرص على وجودهم في مكان مفتوح بوجود بالغين
تفعيلُ خاصيَّةِ التحكُّم الأبويّ على أجهزة الأبناء
ما هي الأماكن الأكثر شيوعًا الّتي يحدث فيها التنمُّر الإلكترونيّ
وسائلُ التواصل الاجتماعيّ مثل فيسبوك وانستغرام وسناب شات وتيك توك وغيرها
الرَّسائلُ النصيّةُ وتطبيقاتُ المراسلة على الأجهزة المحمولة أو الأجهزة اللّوحيّة
الرّسائلُ الفوريَّةُ والرّسائلُ المباشرةُ والدردشةُ عبر الإنتِرنِت
المنتدياتُ عبر الإنترنِت وغرفُ الدردشة
البريد الإلكترونيّ
مجتمعاتُ الألعاب عبر الإنتِرنِت
ماذا عن الأضرار؟
قد يأتي الضررُ النفسيُّ الذي يُسبِّبهُ التنمُّرُ في رأس اللائحة، وهو أمرٌ ليس من السهل تخطّيه، فيُحطِّم شخصيّةَ المراهق ويُسبِّب له الكثيرَ من المشكلاتِ النفسيّة- الاجتماعيّة في المستقبل، وقد ينتج عنه عواقبُ وخيمةٌ تصِل إلى حدّ الانتحار في بعض الأحيان
كما يُولِّد التنمُّرُ ضرراً معنويّاً وجسديّاً يُؤدّي إلى العزلة عن المجتمع ما يُسبِّبُ بالتأخّر الدِّراسيّ أو بِفقدان العمل أو الانقطاع عن العلاقات الاجتماعيّة الخارجيّة
كيف يتعامل القانون في الدول العربيّة مع التنمُّر الإلكترونيّ؟
ارتفع الوعيُ العربيُّ في الفترة الأخيرة حول الأضرار الكبيرة التي يُسبِّبها التنمُّر الإلكترونيّ، ولهذا الغرض أُطلقت الكثيرُ من الحَمَلات ضدَّ هذا النوع من الممارسات، ففي المغرب مثلاً أُطلِقت حملةٌ وطنيّة بعنوان “اُنقُر وارحَم” لمواجهة هذه الآفة الاجتماعيّة والتوعية حولها، وذلك بعد أن كشفت الدِّراسات أنّ 62 % من الشباب في المغرب تعرّضوا للتنمُّر أو المضايقة عبر الإنترنِت
أمّا في ما خصّ التعامل القانونيّ مع التنمّر واعتباره واعتبارها جُرماً يُحاسِب عليه القانونُ فذلك يختلف من بلدٍ إلى آخر.في السعوديّة مثلاً عقوبات التنمُّرِ الإلكترونيّ عبر وسائل التواصل والإنترنِت بشكلٍ عامٍّ هِي بالسَّجنِ لمدّةٍ تصل إلى سنة، أو بدفع غرامة تصل إلى نصف مليون ريال، أو إلى العقوبتيْن معًا بحسب نظام الجرائم المعلوماتيّة، وذلك لتوفير الحماية الجنائيّة المتضرِّرين
أمّا في الإمارات فيُعاقَب المتنمِّر بالسجن لمدّةٍ لا تقلّ عن ستّة أشهر أو بدفعِ غرامةٍ لا تقلّ عن 150 ألف درهم ولا تتجاوز خمسمئة ألف درهم أو كلتا العقوبتين معًا لِكلّ مَن استخدم شبكة معلوماتيّة أو نظام معلومات إلكترونيّ أو إحدى وسائل تقنيّة المعلومات في الاعتداء على خصوصيّة شخص آخر، وذلك عبر التقاط صور أو إعداد صور إلكترونيّة أو نقلها أو نسخها أو الاحتفاظ بها وعبر نشر أخبارٍ أو صورٍ إلكترونيّةٍ أو مشاهدَ أو تعليقات أو معلومات ولو كانت صحيحة وحقيقيّة
وفي مصر لا يذكر القانونُ التحرّشَ أو التنمُّرَ الإلكتروني بالاسم بل يُعاقَب بالسجن والغرامةِ الماليّة مَن يُهدِّد كتابةً أو شفاهيّةً أيَّ شخص أو مَنْ يقوم بتشويهِ صورةٍ أو بإساءةٍ مِن خلال القول أو نشر صور ساخرة أو مسيئة للأشخاص
في الختام، صحيح أنّ التنمُّرَ ممارساتٌ خَطِرَةٌ يَصعب مراقبتُها ولا يمكننا إيقافها بسهولة، ولكنّ واجبَكم كأهل القيامُ بدورٍ كبيرٍ في هذا الشأن وتوعية أطفالكم على تخطّي هذه الآفات المجتمعيّة السيِّئة وحمايتهم منها، فاذا كنّا لا
نستطيعَ إيقافَها، فذلك لا يعني أنّنا لا نستطيع أنْ نحدَّ من عواقبها وتداعياتها على أحبّائنا
https://arabthought.org/ar/blog/