لطالما تحدث كولن ولسن وغيره عن تجربة إطلالة الروح فوق جسدها وهو حي.. عن مغادرتها – أي الروح في سانحة جائحة ومؤقتة- لمركز إقامتها الجبرية وتحولها إلى ما يشبه كاميرا أو طائرة درون خفية تحلق في كل جهات البدن الست ليعيش حالة من رؤية الذات لذاتها ويتم تحميل كل الفكر والفعل اللاحق في عقله قبل أن يتشيأ لديه، هذا طبعا مغاير عن ما كتب عنه كولن ولسن نفسه فيما يخص السفر عبر الزمن وآلته عند هربرت جورج ويلز، أو في ذلك الإرتجاع الزمني المدعوم بالحواس وما ورائها في رواية مارسيل بروست التي أسميها محرفاً لعنوانها الشائع بأنها (حفريات الزمن المفقود)!..
يوافق ذلك بشكل رمزي أو شهودي ما أراده الحلاج أبى المغيث بتعبيره المجازف في قوله “ما في الجبة إلا الله” ذاهباً بذلك وجداً أو فكراً لتلاشي الذات عن انتسابها لذاتها وتحررها من نير الجسد/المجتمع/اللغة الرطبة والقريحة الدارجة، وقد توج هذه اللحظة عشية صلبه عندما أجاب بنفسه عن سؤاله القديم لخادمه إبان رحلته الصينية وقد أدهشته حضرة الورد والزهور والألوان حينما قال له ” ما هذا يا أبى عبد الله ؟” فأجاب خادمه ” هذا يسمونه عيد النيروز يا سيدي” ثم أخذته سِنَة من الحلم وقال لخادمه ” ونحن متى سننروز يا أبى عبد الله؟” هكذا حتى أجاب خادمه وهو على أعواد الصلب ناظراً في عينيه بوهن متبيناً إياه بين الحشد “ها قد نروزنا يا أبى عبد الله!” فيما تقدم أبو بكر الشبلي مقترباً أو متقرباً وألقى “وردة” تحت قدميه الموحلتين!.
هناك حالة أخرى متصلة بما استهللته هنا من مهاد القول وبسط الحرف تتمثل في تحقيق التجاسر وتحرير الانسداد بين الشريعة الكهنوتية والحقيقة العرفانية وتفكيك كل المتاريس الوهمية التي أودت إلى انفصام الروح وغربتها عن الجسد والعكس؛ وقد دعت الشريعة ( وعلى وجه كلي في القرآن) إلى محاربة النفس والهوى وتحقيق العدل على النفس قبل الآخر فذكرت ( النفس اللوامة) إزاء (النفس الأمارة بالسوء) انتهاء (بالنفس الراضية المرضية) التي تأتي تتويجاً لأنتصار الأولى على الثانية ( أي اللوامة على الأمّٕارة بالسوء) وهنا ولكي لا أتماهى مع أساليب مشائخ الوعظ ودهاة الدعاة الشائعين في البلدان وفي عروق الذبذبات والترددات؛ أعود لفكرة الروح الأسيرة في الجسد وحرمانها من قوتها وغذاءها الأزلي من قبل طغيان مملكة الجسد وقريته الظالمة وكيف امتنعنا بالتقادم والتهادم وطول الأمد عن مراقبة النفس وتحقيق استقلال العدل والقضاء عن أنفسنا المتهورة المنشغلة بالمتحلل والمتعفن ونفرنا من الأبدي المبين والجلي الكائن… وبحسب التشريح القرآني وما جاد به لسان الرسل وما امتد من تلك الروح في قصائد الشعراء الناجين وأقوال الحكماء اللادنيويين ومن آمن بمعجزة هذه الحياة وهذا الكون؛ نرى كيف نسجل خيانتنا وتحويلنا للوضائف الحقة للروح والنفس والجسد عندما جعلنا (النفس اللوامة) تلوم الآخر أولاً أو فقط قبل ذاتها ولا يمكنها الخروج من جسدها وكتلتها المتوهمتين والتحليق بشرف وحق فوق ركامها وفضلاتها لتقول ( ما في الجعبة إلا العدل والحق والخير والجمال).
* أقول قولي هذا وأبتهل الله لي ولكم أن يمكننا من مغادرة حطب أنفسنا إلى بهاء بستانه
• كتبه في أوج فقره وانعدام حوله وقوته/
محمد بن لامين
بمسراته فجر الأحد من 11 مايو 2025.
*الطَّيْلَسَانُ
1/ طيلسان و طيلس
كساء أخضر لا تفصيل له ولا خياطة. يلبسه خواص العلماء والمشايخ. جمعه طيالس وطيالسة.
2/ تَعْرِيبُ تالشان وَجَمْعُهُ طَيَالِسَةٌ وَهُوَ مِنْ لِبَاسِ الْعَجَمِ مُدَوَّرٌ أَسْوَدُ (وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الشَّتْمِ يَا ابْنَ الطَّيْلَسَانِ يُرَادُ أَنَّك أَعْجَمِيٌّ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَلْبِ الرِّدَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يُجْعَلَ أَسْفَلُهُ أَعْلَاهُ فَإِنْ كَانَ طَيْلَسَانًا لَا أَسْفَلَ لَهُ أَوْ خَمِيصَةً أَيْ كِسَاءً يَثْقُلُ قَلْبُهَا حَوَّلَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ الطَّيَالِسَةُ لَحْمَتُهَا وَسَدَاهَا صُوفٌ وَالطَّيْلَسُ لُغَةٌ فِيهِ قَالَ مَرَّارُ بْنُ مُنْقِذٍ فَرَفَعْتُ رَأْسِي لِلْخَيَالِ فَمَا أَرَى غَيْرَ الْمَطِيِّ وَظُلْمَةً كَالطَّيْلَسِ.
• من خلال ما يراه القاريء والمشاهد المعتني يمكنه أن يرى في اللوحات المرفقة تجربة بصرية شخصية لإجلاء الروح من الجسد والقماش وفك الأسر والاحتباس !
