
بعد الضّجّة الكبيرة والمُلفتة التي أثارها مُؤخّراً الذّكاء الاصطناعي، وبالتّحديد Chat GPT فيما يتعلّق بإرجاع الصّور الحقيقيّة للإنسان إلى صور كرتونيّة، أي: تصميم صور أنيميشن؛ أضحت أفلام ومسلسلات عوالم الأنيميشن تجوب كل منطقة من مناطق العالم، حيث أصبح الكبير والصّغير يشاهدونها بشغفٍ وحماسٍ لا مثيل لهما. والجدير بالذّكر أنّ عوالم الأنيميشن في الحقيقة هو فنٌ مبتكر، عبارة عن علم تصميم الصّور بإضافة عنصر الحركة إليها، وذلك باستخدام أحدث وأنجع التّقنيات التّكنزلوجية لتقديمها بالصّورة النّهائية التي نشاهدها في الأفلام وألعاب الفيديو.
ونحن اليوم، سنقوم بالتّحدّث عن واحد من أفضل أفلام الأنيميشن، وهو فيلم: “قفل بوابة سوزومي” “Suzume no tojimari”، وهو عبارة عن فيلم أنمي ياباني من تأليف وإخراج: ماكوتو شينكاي، وإنتاج ستوديو: كوميكس ويف فيلمز، أُصدر هذا الفيلم سنة 2022م، وعُرض لأول مرة في 11 نوفمبر من نفس السنة، وحقّق الفيلم أرباحاً تجاوزت الـ 300 مليون دولار بتقييم 7,6/10 على IMDb مع 50 ألف مصوّت، كما رُشّح الفيلم لجائزة من جوائز الغولدن غلوب كأفضل فيلم رسوم متحركة لسنة 2024م.
يحكي الفيلم عن شخصية الفتاة سوزومي البالغة من العمر 17 سنة، طالبة ثانوية، تدرس في بلدة هادئة وجميلة بمنطقة كيوشو اليابانية، ثم تبدأ أحداث الفيلم الحقيقية حينما تُصادف سوزومي الشّاب سوتا الذي يقول لها في عجلة من أمره: “أبحث عن باب في منطقة جبلية معزولة، هل رأيته؟، فتقوم بإرشاده إلى تلك المنطقة المعزولة، ولكن سرعان ما يعتريها فضول رهيب حول هذه الشخصية “سوتا”، فتقوم باللّحاق به نحو تلك المنطقة. تجد سوزومي بابا واقفا لوحده بدون جدران في وسط الأنقاض، وحوله مجموعة من الحجارة والخراب، تتقدم نحو الباب مذهولة، ثم تفتحه، وهنا تبدأ مغامرتها الجديدة، فيحدث أن تُفتح أبواب كثيرة في كل أنحاء المنطقة، هذه الأبواب تحمل بانفتاحها كوارثا طبيعية خطيرة تُسبّب الدمار للأرض، فيتوجب على سوزومي رفقة سوتا إغلاقها جميعاً، ويواجهان تحديات كبيرة خلال رحلتهما، في مغامرة تجمع بين الخيال والحقيقة والعاطفة معا.
أهم شخصيات الفيلم:
1_ سوزومي إيواتو: هي الشخصية الرئيسية في العمل الفني، شابة، طالبة في المدرسة الثانوية، 17 سنة، تعيش رفقة خالتها بعد وفاة والدها ووالدتها في منطقة كيوشو باليابان، تراودها أحلام غريبة لها علاقة بوالدتها، وذلك في عالم آخر موازٍ لعالمها، حيث تجوب السهول والجبال..
2_ سوتا موناكاتا: الشخصية البطلة الثانية التي تلازم البطلة سوزومي، شاب ذكي كُلّفت له مهمة إنقاذ العالم بحثا عن أبواب مفتوحة تسبب كوارث جمة بغية إغلاقها جميعاً، ولو كلّفه ذلك حياته، يلتقي بسوزومي أثناء قيامه بمهمته النبيلة.
3_ دايجين: قط أبيض غامض، يتحدث، وله مشاعر وأحاسيس، يحب سوزومي، ويلازمها طيلة مغامراتها، له هدفُ دعمِ سوزومي، يعيش بالحب ويموت بالكره.
4_ كرسي سوزومي: كرسي صنعته أم سوزومي في صغرها، وبقي كذكرى من أمها، له ثلاث أرجل فقط، حيث فقد الرجل الرابعة بعد حادثة دامية في صغر سوزومي، وبسببها ماتت أم سوزومي، وأثناء مغامرة سوزومي الجديدة تبعث فيه الحياة.
حبكة الفيلم:
دعونا نُقسّم حبكة هذا العمل الفني إلى قسمين:
القسم الأوّل: نلاحظ أن بناء شخصيات الفيلم عباره عن شخصيات تقليدية كلاسيكية في طبيعتها، وممارستها اليومية، وكذا التركيز على الروابط البشرية كالعمل، الحب، الأمان، الأمل.
أما القسم الثاني فنلاحظ فيه كثرة الخوف والآلام، والكآبة تزداد شيئا فشيئا مع تقدم الأحداث في النصف الثاني من العمل، كما أن أسئلة الفيلم تزداد أمام المُشاهِد بحيث نلحظ أن بعض الأسئلة تمت الإجابة عنها، في حين بقيت بعض الأسئلة عالقة ومفتوحة أمام المشاهِد لغاية انتهاء الفيلم.. كما يتّسم الفيلم ببعض الرّومانسية،
والعاطفة البشرية، يجعلنا نعيش حالات شعورية لطيفة متباينة، كشعور الحب، وفقدان الأم، الأب، العمل،.. هذا، ومن النقاط التي تُحافظ على واقعية هذا العمل الفني هو ذكر أحداث 11 سبتمبر، وزلزال تسونامي؛ ومن النقاط المهمة أيضاً الذي يُروّج لها الفيلم بدقة، هي تقدير الحياة والصداقة، فبحركة ذكية من المخرج نجد العلاقة الوطيدة بين سوزومي والكرسي الجامد، بين الإنسان وقطعة من الخشب.ومنه، فالعمل مزيج من التشويق، والغموض، والكوميديا، والرومانسية الدراماتيكية.








تُعتبر الدّودة التي تحاول أكل جميع البشر في الفيلم عن هموم الإنسان المعاصرة، مع زيادة التلوث ودمار المجتمعات، وكذا الحصار على الإنسان من قبل قوى متسلطة لا تلقي بالاً للمشاعر والأحاسيس الإنسانية، فهذا المزيج بين الخيال المتمثل في العالم الخرافي الفانتازي الذي يعبر في حقيقة الأمر عن اتجاه المغامرة والمبالغات، وشطحات الخرافة بقصد التسلية والامتاع والتشويق؛ وبين الحقيقة الواقعية المتمثلة في حركة طبيعية بائسة كالزلازل والبراكين هو تهديد أو مكاشفة مريرة للإنسان المعاصر، والمستقبلي عن طريق عمل فني درامي يحكي عن تحذيرات عديدة تواجه إنسان المستقبل، وكذا المتاعب التي قد يواجهها في أحداث كارثية متوقعة. ومنه، قصة سوزومي هي قصة خيالية تدور في فلك عوالم الأنيميشن اليابانية المعاصرة المتخيلة، قصة تلتقط أحداثا متعددة وتتقاطع في أخرى عبر زمان ومكان محددين، وتقدمه في حبكات متتالية وأحداث قصيرة، وشخصيات رئيسية، وأخرى جانبية ثانوية لها.كاتب هذا النوع من العوالم الأنيمية هو إنسان كثير الأحلام، كثير الهواجس، وربما الخوف من المستقبل، وما يحدث الآن بما يعرف بمصطلح “التلوث الأخلاقي” ما هو إلا عينة واحدة يجعل الناس يعيشون في دوائر ضيقة، غير منفتحة على حب الذات والناس معا، والأمل والإحساس بالغير، مما يدعو إلى التفكير بالأنانية المفرطة وانتشار الأفعال التي تجعل من الإنسان يلغي أخاه، شتى المواضيع والمجالات. وفي نهاية المطاف، وحول هذا العمل الفني الفانتازي، نستطيع القول أنها أخيلة وأحلام وصل بها، أو عن طريقها كل صاحب رغبة لتحقيق رغبته، وغايته في الوجود، وبها يحقق كل إنسان ما يريد، وما يطمح له في واقعه، فتحقيق بعض ما نطمح له سهل أو ربما يسير إذا ما سلكنا درب الخيال المزدوج بالواقع.