
صفحة على «فيسبوك» اختار لها صاحبها اسم «الشعر العذري» أوردت عينات من الشعر العربي القديم في مديح العيون، وما تشي به نظراتها من معانٍ وتعبيرات. تنمّ تلك المختارات عن ذائقة جميلة لمن اختارها، ولأنه لا يمكن إيرادها كاملة، ارتأينا بدورنا أن «نختار» منها مختارات.
يقول البحتري: «تبلغنا العيونُ بما أردنا/ وفي القلبين ثَمَّ هوى دفينُ»، فيما يقول علي بن الجهم: «عيون المها بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري»، وعن ابن حجلة تنقل الصفحة قوله: «كم نظرة فتكت في قلبِ صاحبها/ فتكَ السهام بلا قوسٍ ولا وتر»، ويقول جميل بثينة: أقلّبُ طرفي في السماءِ لعلّه/ يوافقُ طرفي طرفَها حين تنظرُ، ويقول الشريف الرضي: هامت بك العين لم تتبع سواك هوىً/ من علّم العينَ أنّ القلبَ يهواك؟.
تتوالى المختارات، فتنقل قول عمر بن أبي ربيعة: «إذا جئتَ فامنح طرفَ عينيك غيرنا/ لكي يحسبوا أنَّ الهوى حيثُ تنظرُ»، ولا يصحّ أن يغيب المتنبي عن قائمة من مدحوا العيون: «لعينيكِ ما يلقى الفؤادُ وما لقي/ وللحُبِّ ما لم يبقَ منّي وما بقي»، ولعلّ خير ما نختم به مما اخترناه قول الإمام الشافعي: «وعين الرّضا عن كُلّ عيبٍ كليلةٌ/ ولكنَّ عينَ السخط تُبدي المساويا».
العيون ليست عيون البهجة والفرح. هناك عيون المعاناة والألم. وحافز عودتنا إلى ما قيل في قديم شعرنا العربي عن العيون وجمالها، رواية الكاتبة الصينية تشين رونج الموسومة «في منتصف العمر»، التي ترجمها إلى العربية بلغة جميلة المترجم المصري عن الصينية يوسف فرغلي، وغالباً ستكون لنا وقفة أخرى إزاء هذه الرواية التي تفيض رقةّ وشجناً وهي تحكي معاناة جيل منتصف العمر في فترة ما عرف بالثورة الثقافية وتبعاتها القاسية، ولكن أردنا اليوم الوقوف عند العيون من منظور طبيبة عيون هي بطلة الرواية، الدكتورة وين تينج، التي تقوم في اليوم الواحدة بعدة عمليات صعبة، وهي أيضاً الزوجة والأم وربة البيت التي ما تكاد تصل منزلها حتى «تخلع البالطو الأبيض لترتدي المئزر الأزرق» كي تحضر الأكل لأفراد عائلتها.
سنرى الوجه الآخر للعيون لحظة احتضار الدكتورة وين تينج، وهي في منتصف العمر، أخذت أزواج من الأعين تمرّ عليها بسرعة، «أعين كبيرة، أعين صغيرة، أعين مضيئة، وأخرى معتمة، أعين بأشكال وألوان. عين مصابة بنزيف في القرنية، عين مصابة بإعتام في العدسة، عين مصابة بالجحوظ». ووسط هذا كله، ترى عين زوجها جيا جيه، مليئة بالفرح والقلق، بالضيق والبهجة، وبالألم والأمل، بإمكانها النظر إلى قاع عينيه دون الحاجة إلى أي منظار، بل ويمكنها النظر إلى أعماق قلبه.
رافقتها العيون التي كرّست حياتها من أجل شفاءها حتى لحظة حياتها الأخيرة,
المصدر: الخليج