نور الدين سعيد
“وعند جموح خيالي، خارت قواي
غير أن الحب النقي من الدنس
كان خير دافع لي ومحرك
وكان معيني
هو الحب الذي به تستوي القواعد
كما يحرك الله الشمس وباقي الكواكب
بإيقاع دون أن تصطدم احداها بالأخرى
تحت سيطرة خالقها الأعظم
تسير في فلكها سابحة”
دانتي أليغيري الفردوس، الأبيات من 141ـ145
ترجمة ن.م.س
“A l’alta fantasia qui mancò possa;
ma già volgeva il mio disio e ‘l velle,
sì come rota ch’igualmente è mossa,
l’amor che move il sole e l’altre stelle.”
Dante “Paradiso”, Canto XXXIII
حين اقتربت من الفردوس في كوميديا دانتي، بدأت أفكر في هذا الشاعر، وكيف وتحت أية ظروف كتب كوميدياه؟
أتذكر أننا كنا في الفصل المتقدم من اللغة الإيطالية بجامعة فلورنسا، وكانت البروفيسوريسة ماريا غراتسيا، شغوفة جداً بدانتي، وحين كانت تتعامل مع الكتاب الذي بين يديها، وهو الكوميديا بكل تأكيد، كنت أدقق في طريقة لمسها للكتاب، حين تضعه بين يديها وكأنها تحمل طاقم من ألماس، أو أبيجورة من نهاية العصور الوسطى، كانت تشرح وتنظر إليّ، ومن حين لآخر تقول: نور لا تقاطعني، أعرف ما تريد قوله حول التأثر، لقد كان العالم أقرب إلى بعضه من الآن. حينها خرست، وبدأت أستمع إليها بصمت، وشغف
شرحت عن الكوميديا وعن ظروف تأليفها، وأسبابها وعن نفي دانتي وإبعاده إلى فيرونا، ومرت بسرعة على جانب لم ترى فيه أية أهمية بالنسبة للكوميديا، وهو قصة حبه، وإخفاقه في الزواج من حبيبته باتريسيا، والتي يرى بعض النقاد أن صديقه الحميم الشاعر كافالكانتي هو من خطفها منه لأنه كان أكثر رومانسية، وقد تزوجها هو، وبقى دانتي يعاني المرارة من حبه العذري، الأمر الذي أدى به إلى أن يقذف بأعز أصدقائه في الجحيم
أتذكر أنني قلت حين طرحت الأستاذة أسئلتها حول الدرس في الأسبوع اللاحق
<< كتبت الكوميديا لأجل أن لا تمس النار عينا باتريسيا
كتبت الكوميديا من أجل أن يسود الجمال…كان دانتي إليغيري عاشقاً عذرياً، متديناً، كارهاً للكفر والصلف والقبح، والمال الحرام>>
تأثر بأساتذته الذين تخرجوا من جامعات قرطبة وأشبيليا وغرناطة، وكان على إلمام بالقرآن واللغة العربية، ومن يدري أيضاً أن حبه العذري هذا كان من خلال تأثره بشعراء العرب الأوائل، أو أنه قرأ ابن حزم الأندلسي، طوق الحمامة في الألفة والإلاف
سألتني من أين جئت بهذا الكلام؟.. قلت لها جئت به من تحليلي الخاص، ومن حقي أن أقول ما قلته، واستشهدت ببعض آراء البروفيسور أمبيرتو إيكو حول التأويل وما بعده، وكيف يمكن أن يكون القارئ ناقداً معاضداً، وأن تفكيكه هو الأكثر قدرة على بعث الصدق حتى من النص الأصلي، إن النقد نصاً مضافاً، أكثر صدقاً من النص نفسه، ويقول مالا يستطيع المؤلف قوله، ويستطيع أن يتغوغل في حالة الكاتب النفسية أكثر من معرفة الكاتب بنفسه. انتهى كلام إيكو، وأضفت، إن الناقد ـ حسب ما أراه: هو الجراح العظيم لأعصاب لا يدرك كنه علتها حامل الداء نفسه)
قلت كل هذا، وتنفست، كما لو أنني لم أملأ رئتيّ بكمية أكسجين، كهذه المرة، من قبل أبداً
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
Marcel Rieder: “Dante e le amiche di Beatrice”.
اللوحة المصاحبة للنص، لـ مارسيل ريدر، :دانتي مع صديقات باتريس”.