احمد السماري
تُشكر دار أثر للنشر والتوزيع على ترجمة هذه الرواية العالمية من ضمن مشروعها ( كلاسيكيات أثر ).
(ترتيلة) آيان راند هي دستوبيا كلاسيكية عن عالمٍ شموليّ تتلاشى فيهِ الفردانية، إلى درجةِ أنَّ يشيرُ المرء إلى نفسهِ بضمير (نحن)، وأن اكتشاف كلمة (أنا)، ليس فقط تدنيسًا لطهرانية المجتمع المفترضة، إلا أنه شبهُ مستحيل (خاصة بعد شطب الكلمة من اللغة)، ويشبهُ بلوغه الخلاص الصوفيّ؛ وأقل ما يمكن قوله عنه أنه انفجارٌ لغويٌّ يجعل المرء يرى العالم بعينٍ أخرى.
ويلاحظ في رواية ترتيلة بأن الروائية انتهجت محورًا واحدًا أثناء الكتابة، وركزت عليه طوال رحلتها السردية، وقدمت في عدة فصول مراحل متباينة من الفكر الإنساني، وأظهرت كيفية تعاطي الإنسان مع سياسات القمع المكرسة ضده من الإنسان الآخر. واعتمدت الكاتبة الفصول الأولى كمساحة تمهيد للفكرة الأساس التي أرادت طرحها، ألا وهي أن حرية الإنسان، تكون في أنه يفعل ما يراه مناسبًا لوعيه، وبأن الذات الإنسانية لا يمكن لها أن تكون ذات قيمة، طالما أنها لم تتفكر في التجربة، و تبدع أسلوبها الخاص. ولقد تواجدت الترتيلة الحقيقية في الفصلين الأخيرين من الرواية، فيهما كان الخلاص إلى الإنسان.
وتبرز الكاتبة، أن تأصل الخوف في الذات الإنسانية في مرحلة ما، هو ما سبب أن يعتبر الإنسان عجينة سهلة التشكيل، والتمرير إلى النار. فرن القناعات المتشابهة، بل الموحدة، العامل المشترك الأبرز بينها هو الخوف. فتقول راند:“ الخوف يطوقنا في قاعات النوم، ويندس في جنبات الشوارع، الخوف يمشي في المدينة، خوف بلا اسم، بلا شكل ، كل البشر يحسونه، ولا يجرؤون على الكلام عنه“.
بلغة تتمتع بالكثافة، فكانت الجملة لديها قصيرة، وعالية المدلول والعمق، في كل مرة. لغة تميل إلى الشعر، كانت هذه الشاعرية في مقدمة الكتاب، وآخره، ظاهرة بشكل واضح. ما جعل بعض الفقرات بحاجة إلى إعادة القراءة مرة أخرى. وهنا تبرز موهبة المترجمة السعودية نوف الميموني الشاعرية. فقد تمكنت الميموني من نقل صيغة المحتوى من خلال لغة كثيفة، تنم عن أساس حسي لديه، ومقدرة ليست بالعادية، في تنسيق المعاني الراسخة، الملقاة داخل النص.
وتبين الكاتبة أن طريق الإنسان لنيل حريته، في دوام المحاولة. والبحث عن السر الكامن في الذات الإنسانية، ومن ثم ملاحقة إجابة السؤال، هي بمثابة الحلم، ونور كثيف يبزغ حينما يولد الحلم. وإنْ هرب الإنسان الحالم من رتابة الحياة العادية، إلى حياته التي يريد، فإنما بذلك يكون بلغ قيمة وجوده، جبله الذي من الممكن ملامسة ما هو أجمل من الحرية. وقد ختمت راند كتابها بما سردته:”على بوابات حصني، سوف أنقش على الحجر الكلمة التي ستكون منارتي ورايتي. الكلمة التي لن تموت وإن قضينا كلنا في المعركة. الكلمة التي لا يمكن أن تفنى من هذه الأرض، لأنها محورها وأساسها وسرّ عظمتها.
الكلمة المقدسة : الذات .”
مقتطفات عن الرواية:
– ” تحوي كلمة (ذات) جميع النقاط في مفهوم واحد فريد؛ فيُشار بالذات إلى العقل(وقدراته) بصفته ملكية فردية. فالذات إذًا هي ما تكوّن الهوية الجوهرية للإنسان. كما يعرّف أحد القواميس الكلمة بأنها ( الأنا ، أو شخص الإنسان؛ وهي الإنسان بتفكيره وإحساسه وإرادته وتميزه لنفسه عن ذوات الآخرين، وعما يفكرون به.”
– ” أن أجعل حياتي سببًا لوجودها. أعرف ما أريد حتى بلوغي المئتين. اعرف ما تريده في الحياة واسعَ لحيازته. أنا أعبد الأفراد لما يمتلكون من إمكانيات فردية خالصة، وأمقت البشرية لأنها تفشل في تحقيق هذه الإمكانات..”
– “وبرغم هذا فلا أثقلنا خزي ولا طالنا ندم. نقول لأنفسنا إننا بائسون خائنون. وبرغم هذا فلا همًا ينهك روحنا ولا خوفًا يطمس قلبنا. بل إننا لنحسب أن روحنا صافية، كصفاء بحيرة ما رمقتها عين غير عين الشمس.”
– ” لدينا كلام كثير نود أن نقوله لنفسنا، ونأمل أن نجد كلماته في الأيام القادمة. الآن، لا نستطيع الكلام لأننا لا نستطيع الفهم.”
– ” عيناي هما اللتان تريان، ونظر عينيّ هو ما يهب الأرض جمالها. أذناي هما اللتان تسمعان، وسمع أذنيّ هو ما يمنح العالم أغنية. عقلي هو الذي يفكر، وحكم عقلي هو السراج الوحيد الذي يمكنه كشف الحقيقة. مشيئتي هي التي تختار، واختيار مشيئتي هو المرسوم الوحيد الذي أطيعه