غزلان التواتي
لا أعلم السبب، ما أعلمه أنها تأخرت شهرين وهذا لا يقلقني وليتها لا تأتي فأستريح نهائيا
يجب أن تراجعي الطبيب غدا، ساعطيك عنوان طبيبتي وتذهبين إليها وتخبرينها بما يحدث
حاضر سأذهب بعد انتهاء الدروس لأنني لا ارغب في تضييع أي درس
الدروس…ههه هل الدروس هي من سينتفخ بطنها بعد شهر إن لم تذهبِي غدا؟ وإلا اخبرته؟ أتذكر هذا الحوار القصير الشبيه بالحوارات الكثيرة مثله التي تنتهي دائما بنفس العبارة:”وإلا اخبرته”…أتساءل الآن وبعد زمن هل تحتل الخادمة دورا مركزيا في حياة من تخدمهم أم هي في الهامش؟ الهامش مكان من لا فائدة منهم… لكن الخادمة التي تعيش رتابة أيامها بشكل يجعل منها مركزا ولكنه يشبه مركز النقطة العمياء في العين… توجد هذه النقطة في أهم مكان للبصر مع ذلك هي عمياء هكذا أتصوَّر دور الخادمة
يا الهي يديك خشنة جدا وكأنك تعملين في الإسمنت
وضحكت كعادتها “فتاة” المشرفة على المكتبة في الثانوية… لا تتردد في الضحك لا تفرق بين سخرية جارحة ونكتة سخيفة ولكنني كنت أحس أنني أحبها… كنت زبونتها الحقيقية الوحيدة طيلة سنتين اما باقي مرتادي المكتبة هم تلاميذ طردوا من الحصص بسبب ما يحدثونه من فوضى فتتكفل هي بحجزهم فترة من الوقت تثرثر اليهم وتضحك بصوت عالٍ رغم احزانها التي تنطق من عينيها وقمع زوج متدين وانجابها بنتين لا تعرف لما أنجبتهما مع رجل مثله-علمت مؤخّرا انها طلقته بعد سنين طويلة-… كنت ألج المكتبة وابحث وحدي عن الكتب لم تكن لتمنعني كنت اعرف محتويات المكتبة واماكن وارقام الكتب أكثر منها
- سينما- قصة قصيرة بقلم د. مصطفى الضبع
- (بدون عنوان)
- “عودةٌ تحت ظل الغياب”
- أمان مؤقت – هناء بلال
- سُوَرٌ صباحيّة مي عطاف
يديا تدربتا على الصمت أكثر مما تدربت أنا عليه منذ وطأت قدماي ذلك البيت الكبير البارد… بيت يختلف ظاهره الغني المريح عن باطنه الشقي الفقير جدا… لكل فرد من ساكنيه سياسته الخاصة في الحياة داخله وخارجه… له مكانته وكلامه وما يجب أن يفعل وما لا يفعل… في ظرف قصير تتحصل على تكوينك الأولي في الحيلة والكذب وتفهم انه لا سبيل آخر هنا إلا هذين… تتعلم بسرعة فائقة كيف تتوقف عن البكاء والكلام والضحك والحركة… تجد بسهولة مكانتك التي خصصت لك قبل مجيئك… يشبه ذلك حديقة حيوانات واسعة كل ما فيها متشابه نختلف فقط في كمية العلف… بعد أسبوع وجدت مكاني الرتيب جدا أقوم فيه بنفس الحركات بنفس الترتيب بنفس الهدوء وبلا اعتراض… كانت الأيام بسيطة جدا تبدأ عند الخامسة صباحا وتنتهي عند العاشرة ليلا… تبدأ بدايتين إحداهما في الزمن وآخراهما في الحياة… بداية الزمن تعني: أن تحضر الخبز البلدي وتضعه في مكان دافئ ليخمر، تحضر فطور الصباح ليصحوَ الآخرون فيجدون ما يلزمهم جاهزا على مائدة لم اجلس اليها يوما، يعني أيضاً أن تنظف الصغيرة وتجهزها للذهاب إلى المدرسة…وتوصلها إليها في وقت محدد…أخيرا تركض مسافة 3 كيلومترات ليس حبا في الركض ولكن لا وسيلة اخرى لتصل قبل أن تغلق الثانوية أبوابها عند الثامنة والربع…تعود ظهرا لتأكل إن تبقى ما يؤكل تنظف المكان الذي ترك خصيصا لك لتنظفه وترجع ثانية إلى الثانوية… تعود مساء لتحضر عشاء الليلة حسب رغبة”ها” وتنام عند العاشرة….كانت هذه البداية اليومية لكل زمن أما بداية الحياة فإنها كانت تتأخر دائما ولا تزور ذلك البيت إلا عندما يغادره كل سكانه… ربما وقتها فقط كانت تأتي رائحة الحياة إليه…ربما…ولكني طيلة سنتين لم أر حظورها…لم تكن ملاحظة “فتاة” عن الاسمنت والأيدي الخشنة موجعة او محرجة كنت فقط اتساءل هل فعلا يديا خشنتين؟ وكأن الأمر يتعلق بشخص آخر… غالبا كنت أشعر أنني أكثر من شخص أتعامل مع أوضاع كثيرة غريبة بسرعة فائقة حتى عندما أتألم كنت لا ابكي ولا أحاول الصراخ كما أفعل الآن… في الواقع ربما ذلك المستوى العالي من الحيوانية الذي بلغته فهمت منه ان الألم للبشر وليس لأمثالي في ذلك الوقت…إلا ذلك اليوم… كنت اجلس أرضا أعجن خبز الجمعة وتقف على رأسي هي مع عمتي يتحدثان ويبتسمان لم اكن اسمع جيدا حديثهما رغم قربهما مني… ولكنها فجأة استدارت إلي قائلة لماذا لا تلبسين صدرية أصبحت كبيرة؟ ابتسمت ولم انطق… لكنها واصلت دون اكتراث كبير… يبدو صدرك جميلا ولكنه سيصبح مثل صدر أمك عندما تكبرين… ابتسمت ثانية ولم انطق ثانية… عيناك المنتفختان ستكونان سببا في عدم زواجك…ابتسمت ثالثة ولم أنطق…وانفجرت هي ضحكا… في مثل سنك كانت امك متزوجة… أردت لو أقول لها نعم كانت متزوجة في مثل سني( 16 سنة) ولكن ذلك لم يجعل منها امرأة ابدا… اتساءل إن كانت يوما امرأة حقا؟…أكملت ما كنت بدأته من عجن… جاء الليل… حدث خلل في الكهرباء واستبدلنا نوره بالشموع وضعت شمعة مشتعلة على يدي اليسرى حتى ذاب جلدها ولم أشعر بألمٍ… ربما بدأت وقتها في التحوُّل -أخيرا- إلى إنسان…. يحوِّل آلام روحه وعذاب نفسه إلى علامات على جسده
تعليقات 1