رزان نعيم المغربي
يولد الإنسان بهوية أولى ومن ثم تتعدد الهويات التي يحملها ، والتجارب والانتقال من مكان إلى آخر يغير ما بالنفس من أهواء
الهوية ….. تمنح لك بالولادة وتحدد لون بشرتك ولون شكل عينيك ، واسم سلالتك ، صوتك ولغتك الأولى ، وتتوالى الأسماء التي تدمغ هويتك المدينة ،البلاد ، المعتقدات ، ريثما تصل سن الرشد ، ليكون لك الحق بابراز هوية نحتها وصنعتها من معارفك ومهارتك مثل نوع الاختصاص العلمي أو الموهبة والملكة التي جعلتك مبدعا في مجال ما . (العلم والفن والسياسة وغيرها) كلها تضيف وصفا إلى شخصك ، الهوية قدر السلالة واجتهاد الإنسان.لإبراز ما حباه القدر من عطايا
الانتماء … قرار ، وقرار فردي يولد من خبايا النفس وأهوائها، أنّا وجدت راحتها، وقديما اكتشف البشر أن عليهم أن يقبلوا بمن حل في أرضهم غازيا أو ضيفا مسالما ، لربما حمل معه لهم ما لايملكون ، واستفادوا من تعداد يزيد حصيلتهم بتجارب الآخرين وانتماءهم لهم ، فقرروا اضافة صفة لكل الغرباء القادمين اليهم ، ومن هنا وجدت سنة الكنية ، وهي مكتسبة تقابل اللقب المفروض بحكم الولادة
يقول شاعر روتردام : إذا كل واحد أتى من مكان ما ، فلا يوجد غرباء ” Rien Vroegindeweij
واختلف العامة من الناس في تفسير معنى الغربة ، لكن الفنانون اتفقوا على أن الإجلاء ضرورة حتمية ، لتفكيك الصراع بين ما يحسه المبدع في أرضه من نبذ وربما ازدراء وما يصبوّ إليه من تقدير واحترام لوطنه
من تلك المعضلة القديمة قدم التاريخ ، قيل لاكرامة لنبي في وطنه ، وتناسلت المصطلحات ، هجرة ونفي، غربة وانتماء ، بُعد وحنين
الأمر لايحتمل الصراع بين الهوية والانتماء ، بل هو محض تصالح ذاتي ،يخلقه من عاش التجربة ، من اكتوى بمرارة الابتعاد القسري ، أو اختار المنافي ليعيد صياغة مفهوم الأوطان دون ضغينة
الوطن بصفته بقعة جغرافية قائمة ، لا يصنعه فردّ مهما علىّ شأنه ، ربما يكون بعض الأشخاص أعلاماً بارزة في تاريخه بما قدموا من خير ،آخرون رموز للشر بما انتهكوه ، لكن كل الأوطان أرث الله على الأرض وهبته لبشر يسكنوها، تتغير خارطتها بفعل الأحداث ، تتقلص أو تتسع ،حتى اسمها سيتبدل حينا ثم يعود ، لكنه يبقى أثراً لايفنى بفناء الأشخاص ، أو تجاوزهم له أو مغادرتهم ورحيلهم عنه
- د. حسن مدن يكتب: الانطباع الأول
- ماذا يقرأ محمد صلاح ؟
- – هنري زغيب يكتب – فيروز المواهب الخمس
- حديث الصفحات في كتاب “وطنٌ اسمه فيروز”
- “الله يخلّي الولاد”! ((عن لبنان ما حدث ويحدث))
وهناك من يعتقد أن معنى الوطن الانتماء إلى اللغة التي يفكر ويكتب بها، وإلى الذاكرة الأولى وأحلامه وكوابيسه الليلية، التي تعيده من أرض بعيدة يسكنها إلى قريته الصغيرة في أقاصي البلاد، وبهذا يحقق معادلة التصالح بين الهوية والانتماء
المبدأ الأخلاقي يسن قوانينه المثالية، بإن تبقى مخلصاً منتميا إلى وطنك سواء عشت فيه أو غادرته قسراً أو طوعاً، لكن الواقع صورة مختلفة تماماً، ستجد بعض البشر يتخلون عن أوطانهم دون أن يغادروها، أولئك الذين يسرقون ويقتلون يغتصبون خيراته يسلبونها دون شعور بغضاضة ،ويمرّون عيش أبناء جلدتهم معهم ، منافقون ويصرخون ويتغنون بحب الأوطان ، هؤلاء من يراهم الآخرون لا انتماء حقيقي لهم ولم يجلبوا إلا العار لبلادهم
على الضفة المقابلة وبشكل استثنائي ، قد تجد غريبا حل بالبلاد وأحبها وأفنى عمره من أجل أن يغرس شجرة، أو يبني مدرسة ، يعلم طفلا ، يعالج مريضا، يصنع رغيفا ، والدافع لهذا هواه وحبه وانتماءه لتلك البلاد حتى لو وسموه بالغريب
في نهاية الأمر ، ليس كل من هاجر شطب ذاكرته الأولى ، وقطع شرايين قلبه واستبدلها بأخرى ، و هناك من اختار أن لايغادر حباً وانتماء لتلك الأرض
تعليقات 2