د. حسن مدن لصحيفة الخليج
كان هذا الشهر إيذاناً بعودة تلاميذ المدارس، وأيضاً طلبة الجامعات والمعاهد العليا، إلى مقاعدهم الدراسية بعد غياب عنها، استمّر نحو ثلاث سنوات بسبب جائحة «كورونا» التي لم تغادرنا تماماً، ولكن العلم وإرادة البشر حيّدا الكثير من قوّتها الفتاكة التي أرعبت العالم
وليست خافية مقادير البهجة التي نطالعها على محيا التلاميذ والتلميذات العائدين إلى فصولهم الدراسية التي افتقدوها طويلاً، وبأنه صار بوسعهم اللقاء المباشر مع أقرانهم، للتعلم واللعب معاً، هذا ما شاهدناه جميعاً وسمعنا به
وشيء مشابه نلمسه عند المعلمين وأساتذة الجامعة الذي ملّوا التدريس عبر الإنترنت. أستاذة جامعية عبرت عن سعادتها بأنها، وبعد غيبة، صار بوسعها أن تلتقي طلابها وطالباتها وتتحدث معهم وتناقشهم، واصفة التعليم عن بعد بأنه أشبه بمخاطبة أشباح، لا تراهم ولا تعلم أهم حاضرون أم غائبون، في حال صحو أم نوم
صحيح أن التعلم عن بعد كان إجراءً ضرورياً أمام تعذر فتح المدارس والجامعات فترة الجائحة، خاصة في ذروتها، وعلينا تخيّل أن البديل سيكون توقف التعليم تماماً، لو لم نكن نعيش في عصر الإنترنت، ما يسّر استمرار العملية التعليمية بصورتها «الافتراضية» إن صحّ الوصف، ولكن هذه التجربة، بما لها وما عليها، أظهرت مجدداً سعة الشقة بين الافتراضي والواقعي
وعلى صلة بهذا، طالعت مقالة عنوانها «دع عنك شاشة الحاسوب وانظر إلى ما وراءها» نشرت مجلة «الثقافة العالمية» الصادرة في الكويت ترجمة لها، يقول كاتبها: «إن الأولاد يتعلمون عندما ينخرطون بكامل أجسادهم في تجربة هادفة أكثر مما يفعلون بجلوسهم أمام الحاسوب». ويقدّم الكاتب التوضيح التالي: «يندمج الأطفال عند ركوبهم ظهر حصان أكثر بكثير من اندماجهم عند مشاهدتهم مقطع فيديو للفعل نفسه، فهم يمارسون رياضة مستخدمين كامل أجسادهم بدلاً من اختبارهم نسخة تحاكيها في لعبة فيديو على الإنترنت»
هنا أيضاً نقول: إن الغاية ليست أبداً التقليل من أهمية الإنترنت في التعليم، ونعلم حجم المطالبات التي سبقت «كورونا» وستظل قائمة، بضرورة توفير الحواسيب لتلاميذ المدارس لتكون إحدى أدوات التعلم في دنيانا الراهنة، خاصة حين نعلم أن مجتمعات فقيرة كثيرة عاجزة عن تحقيق ذلك، ولكن بالمقابل علينا الانتباه إلى أن الحاسوب، على أهميته، ليس هو الحياة نفسها