د. شربل داغر(مقال الاثنين، جريدة “نداء الوطن”، بيروت، 26-9-2022)
يتحقق متابع مشهد النقد، في الأطاريح الجامعية، على أنواعها، في البحوث المٌحكمة، في الدراسات والمقالات، وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي، من وجوه الاستسهال المختلفة والمتنوعة في درس النص وغيره من الإنتاجات الثقافية. وهو استسهالٌ يعني تراجعَ التشدد المنهحي، بل لزومَه، في عمليات الدرس وإجرائياته
مع ذلك، فإن فاحص هذه المدونة يلاحظ اتكالَها على علماء ودارسِين ومناهج أجنبية، ولكن في ترجمات عربية لا تتوافر فيها الصحة والأمانة في النقل. إلا أن ما يمكن ملاحظته كذلك، في هذا التراخي المنهجي، هو الاتكال على مناهج ومقاربات تعود إلى ما بعد البنيوية، وما اتسمتْ به هذه المابعد من تأويلات وتفاسير ثقافية غير أكيدة، أو متينة، في ارتكازاتها النظرية والتحليلية
هكذا يحلو لي أن أختصر مدارس النقد ومناهجه ومقارباته في ثلاث، استنادا إلى الثلاثة المُسهمِين (بهذه الدرجة أو تلك) في عمليات درس الأدب، وهم : الأديب، والنص، والقارئ
ومن يَستعرض محطات النقد في المتن الأوروبي (منذ نهايات القرن التاسع عشر، إثر الخروج من النقد البلاغي)، يجد بأن وقفته الأولى تعينتْ في التعويل على شخص الأديب (بين سيرته وبيئته) سبيلا إلى درس أدبه
وهو ما انتقلَ، بعد النصف الثاني من القرن العشرين، إلى النص نفسه (مع البنيوية وتشعباتها)، مكانا وحيدا، كافيا ومكتفيا، لدرس الأدب
أما الوقفة الثالثة، الممتدة حتى أيامنا هذه (مع التأويلية والدراسات الثقافية وغيرها)، فاتخذتْ من القارئ دليلا لها، بحيث بات الناقد أقرب إلى قارئ في نظره إلى نص الأدب
في هذه الوقفات الثلاث تبدلَ موقع النظر إلى الأدب : من جهة المؤلف، من جهة النص، من جهة القارئ. إلا أن ما تبدلَ خصوصا هو الناقد نفسه، إذ بات أقرب إلى قارئ “متذوِق” لِما يتناوله، أي القارئ الانطباعي الذي يتجول ويستنسب ما يشاء في النص. وأشدُّ ما يَفتقر إليه هذا القارئ-الناقد هو مقاربات وارتكازات علوم الإنسان، من علوم تاريخية وفلسفية واجتماعية ونفسية وغيرها. فكيف إذا كانت هذه المقاربات والارتكازات معدودة، وضعيفة في الدرس العربي
سيكون للناقد-القارئ، في هذه الأحوال الدراسية، أن يتكل على زاده الضعيف (في حال توافره)، أو على ما تيسر من اعتقادات سارية ومبتسرة لهذه العلوم في الثقافة الرائجة
هكذا يتمّ الكلام عن المدينة، والاغتراب، والنفي، والاستلاب، والإكراهات، والتهويمات، وغيرها مما هو أقرب إلى بعض جدل المقاهي أو الفيس بوك
استسهالٌ، وضحالةٌ، وخِفّةٌ، تقترن -بكل أسف- باعتدادٍ عنجهي، ونرجسي بالضرورة، هو من رواسب العقلية القَبَلية، ومن ناتجِ هزالِ المؤسسات الجامعية والثقافية