بالرغم من أن تعريف الوحدة يقترن بكون الإنسان منعزلاً أو من منفرداً لكن الوحدة في حقيقة الأمر هي حالة نفسية أكثر من كونها حالة جسدية . والإحساس بالوحدة هي أن يشعر الإنسان بأنه معزول وغير مرغوب فيه ويعتريه فراغ داخلي وبرود عاطفي مما يسبب له حالة من الحزن والاكتئاب الشديدين
تشير الإحصائيات في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن نصف السكان يعانون من الوحدة وتأثيراتها المدمرة، فقد أظهرت الدراسات أن للشعور بالوحدة أعراض سلبية كثيرة من أهمها الموت المبكر الناتج عن الانعزال الاجتماعي، الاكتئاب، زيادة في أمراض القلب، وتراجع حاد في الذاكرة، الخرف المبكر، الجلطات الدماغية، والتوتر والقلق المستمرين
وتأتي خطورة الوحدة من صعوبة تعرفيها و تشخيصها مبكرا لأن الانعزال أو الإنفراد لا يعني بالضرورة أنك تشعر بالوحدة أو تعاني منها بل على العكس الانعزال أحيانا مهمٌ للتخفيف من ضغوط الحياة أو محاولة التركيز على قضية ما وإعادة إنتاج الطاقة النفسية المطلوبة للاستمرار . إذاً الوحدة هي شعور لا إرادي بأن الشخص غير مرغوب فيه ومرفوض و مهمش من قبل الآخرين . أما الانعزال او الانفراد فهو قرار اختياري و طوعي بالإبتعاد عن الآخرين وهو غير مصحوب بالإحساس أو الشعور بالوحدة او العزلة . وبالرغم من أنه قد لا يوجد سبب واحد وراء الإصابة بالوحدة ولكن هناك عوامل كثيرة لها دور في إنتاج هذه الحالة النفسية منها الإغتراب والانتقال إلى مكان جديد بعيدا عن الأهل والوطن ومنها أيضا الطلاق والانفصال ومنها وفاة الشريك او الحبيب ومنها العزل القصري كالسجن والحبس ومنها التنمُّر المستمر من قبل الآخرين في المدرسة أو مكان العمل وفي عالم اليوم منصّات التواصل الاجتماعي لها دور سلبي جدا في هذا المجال
ويُرجع بعض المختصين الأسباب وراء هذه الحالة النفسية عند الأشخاص المصابين مقارنة بغيرهم من الناس لكونهم أناس حساسين جداً و قدرتهم على تحمل الضغوط النفسية محدودة ، او لانهم صغار السن او في عمر المراهقة المبكرة وليس لديهم الخبرة او الثقة الكافية لتحميهم من الضغوط النفسية المحيطة بهم
ما هي اذاً أهم أعراض هذا المرض الخطير ؟
من ضمن أهم أعراضه ان المصاب غير قادر على إنشاء صداقات مستدامة ، و غالباً ما يتقوقع على نفسه، ولديه ضعف ملحوظ في النشاط الإجتماعي و يفضل الانعزالية المستمرة ، مما يؤدي إلى الإكتئاب والعزلة الاجتماعية
إن خطر الإصابة بالوحدة يزداد بإطراد متسارع و مخيف ، فقد اظهرت الإحصائيات أن ٢٥٪ من السكان في العالم يعانون منه ونسبته تزداد يوما بعد يوم بين أبناء الجيل الجديد
ما هي إذاً سبل الوقاية منه والحد من انتشاره و علاج أعراضه المبكرة
إحدى أهم مسببات الوحدة في العالم الغربي ، برأيي الشخصي، هو التقليل من قيمة الأسرة بشكلها النمطي المكون من الأب و الأم و الأولاد ، لا بل محاولة إعاقة الروابط الإجتماعية و الأسرية عن طريق زيادة ساعات العمل بشكل غير إنساني و غير محمول نفسياً و جسدياً
إن وجود نظام إجتماعي و قوانين اجتماعية داعمة للأسرة و للأمهات خصوصا و وجود شبكة علاقات أُسرية و اجتماعية سليمة و قوية يشكل ضمان صحي حقيقي يزيد من قدرة الإنسان على مواجهة الضغوطات النفسية لا بل يزيد من فرص الاحساس بالسعادة و يقلل من احتمال الإصابة بالوحدة والعزلة والاكتئاب
كذلك الانتماء الى مجموعات عمل تطوعي و المشاركة في فعّاليات جماعية كممارسة الرياضة و الانتساب الى نوادي رياضية او ثقافية و ادبية ، يوسّع من دائرة المعارف و يبني شبكة علاقات اجتماعية اكبر و اقوى أيضا مما يقلل من فرص الإصابة بالوحدة
ولا بد اخيرا ان نذكر أن السفر و التعرف على اماكن جديدة وأناس جدد له تاثير سحري في نفسية الإنسان فهو يخفف من التوتر الاجتماعي و يوسّع الآفاق و يجدد النفسية و يحسن الثقة بالنفس و القدرة على بناء صداقات
يقول الإمام الشافعي
تغرّب عن الأوطانِ في طلبِ العُلا .. وسافر ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ
تفرُّج همٍّ ، و إكتسابُ معيشةٍ، وعلمٌ، و آدابٌ ، و صحبةُ ماجد</