
*أثار قرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بسعيها لمنع المستحضرات الدوائية الحاوية على الفلورايد (الحبوب والقطرات وأقراص المص) التي بصفها الأطباء لوقاية الأطفال من تسوس الأسنان حيرة وقلق جمعية طب الأسنان الأمريكية (ADA) والمعنين بصحة الفم، على صحة الأطفال وعلى وجه الخصوص أطفال المناطق الريفية الذين لاتصلهم مياه الشرب المفلورة (fluoridated water) .
* أوضحت الإدارة أن القرار الذي تبنته استند على نتائج مراجعة الدراسات التي كشفت الأضرار المحتملة التي تسببها المستحضرات الحاوية على الفلورايد بقتلها للبكتريا النافعة في الفم، وخطرها على منظومة ميكروبات الأمعاء للرضع والأطفال الصغار، وكذلك ارتباطها باضطرابات الغدة الدرقية، وزيادة الوزن، وانخفاض معدل الذكاء “IQ”. وذكر إعلان الإدارة أنها قد وجهت تعليماتها لمركز تقييم الأدوية والبحوث التابع لها بمراجعة الأدلة المتوفرة عن مخاطر الفلورايد ونشر التوعية والثقافة الصحية الجماهيرية بهذا الشأن بحدود 31 تشرين الأول 2025، وأنها في مجال البحث عن بدائل لوقاية الأسنان من التسوس بديلاً عن الفلورايد ولاتؤثر على منظومة بكتريا الأمعاء الحميدة.
*اعتبر المختصون أن قرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أمراً مثيراً للجدل وقد يؤدي إلى تقويض الجهود التي بذلت لعدة عقود لحماية أسنان الأطفال الذين لا يحصلون على مياه شُرب مُعالَجة بالفلورايد. في الوقت ذاته بيَّنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في إعلانها أن أفضل طريقة للوقاية من تسوس الأسنان ليس بتناول المستحضرات الطبية الحاوية على الفلورايد، بل بتجنب الإفراط في تناول السكر، والحفاظ على نظافة الفم.
كيف تتسوس الأسنان؟
*يعتبر تسوس الأسنان نتيجة لتناقص وإزالة المعادن وإضعاف طبقة المينا (Enamel) الخارجية الواقية دون تعويض أو إعادة تمعدن (mineralization) كافية. يحدث تسوس الأسنان بسبب الأحماض التي تنتج بعد تخمر الطعام بتأثير البكتريا الموجودة في الفم، ما يؤدي لاحقاً إلى تذويب معادن الأسنان وتآكل طبقة المينا وإذابتها وظهور التجاويف في الأسنان، ومن ثم يلحقه من بعد ذلك التسوس وتساقط الأسنان إن لم تعالج الحالة. ويمكن أيضاً أن يسبب تسوس الأسنان الالتهابات الفموية التي تشمل اللثة ودواعم الأسنان. وأشارت الدراسات أيضاً إلى التأثير السلبي للفلورايد على نمو الطفل خلال مرحلة الطفولة وضعف أدائه المدرسي.
*يقلل تناول الفلورايد بمستويات مقبولة (من مصادر مثل مياه الشرب المفلورة، معاجين الأسنان، والمراجعة الدورية لعيادة الأسنان) من خطر تسوس الأسنان في مراحله الأولية عن طريق تثبيط نشاط البكتريا والحفاظ على معادن الأسنان إزالة المعادن.
كيف يحافظ الفلورايد على الأسنان؛
*تتعرض وتتقوى طبقة المينا الواقية يومياً لتأثير المعادن المتناولة مثل الفلورايد والكالسيوم والفوسفات من الطعام والماء الذي نشربه. ولكن طبقة المينا تفقد هذه المعادن كل يوم بتعرضها لتأثير الأحماض الموجودة في البكتيريا وفي السكريات.
* وجود الفلورايد يساعد ويمنع تسوس الأسنان بتقوية طبقة المينا وجعلها أكثر مقاومة للهجمات الحمضية وعكس الاضمحلال المبكر في طبقة المينا. من أنواع الفلورايد الشائعة والمستخدمة في طب الأسنان: المعاجين والغسول. تحتوي العديد من الأطعمة وماء الصنبور ومعاجين الأسنان وغسول الفم على الفلورايد بكميات موافقة للمعايير. أما مكملات الفلورايد والتي تحتوي على التركيزات الأقوى في شكل سائل أو قرص فتحتاج عادة إلى وصفة طبية للحصول عليها في معظم الدول.
تأثيرات الفلورايد:
*عند استخدامه بشكل صحيح، يكون الفلورايد آمنا وفعالا، ولكن يمكن أن يكون خطيرا عند تناول جرعات عالية منه. فمن التأثيرات الجانبية الأكثر شيوعا للفلورايد هو تغير لون الأسنان الناجم عن الفلورايد. تظهر عند الأشخاص المصابون بأرتفاع مستويات الفلور ببقع على أسنانهم (Dental Fluorosis) لونها يتراوح من الأبيض الفاتح إلى البني الداكن. تحدث هذه البقع عادة أثناء نمو الأسنان عند الأطفال دون سن السادسة. غالبا ما ينتج الفلور عن استهلاك المكملات الطبية التي تحتوي على الفلورايد والتي تباع بوصفة طبية .
فوائد وأضرار جرعات الفلورايد:
* مع أن الجرعات المنخفضة للفلورايد الموجودة في منتجات الأسنان (معاجين وغسول) فيها بعض الفائدة للجسم وحماية الأسنان من التسوس عن طريق تثبيط البكتيريا المنتجة للأحماض وأن آثارها الجانبية ضئيلة، لكن التعرض العالي للفلورايد يمكن أن يؤثر سلبا على التوازن الدقيق لمنظومة بكتيريا الجسم (المايكربيوم) وخاصة في منطقة الفم والأمعاء ما قد يؤدي إلى تعطيل التنوع الميكروبي، وتغيير التمثيل الغذائي، وتحولات في المجموعات البكتيرية.
*آلبة عمل الفلورايد في وقاية الأسنان:
يمكن للفلورايد أن يمنع نمو البكتيريا الفموية عن طريق التأثير على عملية التمثيل الغدائي داخل البكتيريا فيثبط عمل الأنزيم Enolase (إينولاز)، الذي يعتبر مصدراً أساسياً لنقل الطاقة المتمثلة بتوفير الكلوكوز الضروري الى داخل البكتيريا لنموها. ويمكن للفورايد أيضاً أن يزيد من تراكم أيون H+ داخل الخلايا، مما يقلل من تحمل البكتيريا الضارة مثل S. mutans للمحيط الحامضي. (الإينولاز: إنزيم تحفيزي يلعب دورا حاسما في التمثيل الغذائي الخلوي، وخاصة في تقويض الكلوكوز وإنتاجه.)
*التأثير على الميكروبيوم المعوي
أشارت الدراسات إلى أن تأثير جرعات الفلورايد المنخفضة (≤ 2 ملغم / لتر NaF) قد يكون لها آثار ضئيلة أو مفيدة على الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء وتوازنها، مما قد يعزز نمو البكتيريا المفيدة مثل Faecalibacterium و Lactobacillus. أما جرعات الفلورايد العالية (≥ 50 ملغم / لتر NaF) فلها تأثيرات سلبية ومنها تعطيل التوازن والتنوع الميكروبي الطبيعي، وتغير عملية الأيض، وتغير الوفرة النسبية للأصناف البكتيرية المحددة.
وهنالك أبحاثاً جارية لدراسة الآثار المحتملة للفلورايد المبتلع على نمو وتطور الجهاز العصبي النمو العصبي البشري.خاصة عند الأطفال وخلال فترات ما قبل الولادة أو ما بعد الولادة المبكرة. بعض هذه التأثيرات تتمثل في ضعف الإدراك وانخفاض معدل الذكاء لا سيما في المناطق ذات المستويات العالية من الفلورايد في مياه الشرب. أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين زيادة التعرض للفلورايد وانخفاض معدل الذكاء لدى الأطفال.
ويعتقد أن لكل زيادة بمقدار 1 ملغم / لتر في مستوى الفلورايد في البول يقابله ، كان انخفاض قدره 1.63 نقطة ذكاء عند الأطفال “IQ”. وهنالك بعض الدراسات التي أشارت إلى أن مستويات الفلورايد المرتفعة تؤدي إلى تغييرات هيكلية وتلف الخلايا العصبية، وانخفاض حجم وعدد الخلايا العصبية، في مناطق الدماغ مثل الحصين والقشرة، مما قد يؤثر على التعلم والذاكرة. وهنالك أدلة أخرى أشارت إلى التأثير السلبي للجرعات العالية من الفلورايد على صنع ووظائف بعض النواقل العصبية مثل الغلوتامات (Glutamate) والأستيل كولين (Ach) ما يضعف التواصل بين الخلايا العصبية ما بؤثر سلباً على الإدراك الوظيفي المعرفي. وجد أن كل هذه التأثيرات مرتبطة بالجرعة المتناولة.
تأثير المستويات العالية على الجهاز المناعي:
*للفلورايد العالي تأثيرا سلبياً على الجهاز المناعي، مما قد يؤدي إلى انخفاض وظيفة المناعة وزيادة التعرض للأمراض. يقلل ارتفاع الفلورايد من عدد الخلايا الليمفاوية التائية
(T-lymphocytes) في الدم، ويمنع تنشيطها، ويؤثر على نسبة المجموعات الفرعية المختلفة للخلايا الليمفاوية التائية
الخلاصة:
*انطلق قرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بسعيها لمنع مستحضرات الفلورايد الطبية من الأسواق من أن “الوقاية خيرٌ من العلاج” وأن هنالك تأثيرات خطيرة للمستويات العالية من الفلورايد على التوازن الطبيعي الدقيق لمنظومة الجراثيم الطبيعية (المايكروبيوم) وعلى نمو ووظائف بعض أعضاء الجسم.
ويدعو القرار إلى التوعية الجماهيرية بخطورة الفلورايد على صحة الفم والأسنان، والاهتمام بصحة الأسنان وتوجيه الأطفال إلى الاستعمال الصحيح لمعاجين الأسنان وعدم ابتلاعها من قبل الأطفال.
وسلامة أولادكم
ص.د. غازي التميمي
19 آيار 2025

