
جورج كلاّس
{الشيخ ُالبعلبكيُ العتيق} ، شخصِيَّةٌ بقاعِيَّةٌ حَبّابَةٌ مَجْبولَةٌ بالشهامَةِ والكرامةِ والأصالةِ ، تَتَجَمَّعُ فيها المروءَةُ والبَسالَةُ والشجاعةُ والغِيرةُ َوالكرَمُ واللَّهْْفَةُ ، وترتَسِمُ عليها المَهابَةُ والبَسْمَةُ والعَبْسَةُ والفروسيَّةُ…تَنْصُرُ الضَعيفَ و تَحُدُّ من سَطْوَةِ المُنْتَصِرِ …هي شخصيّةٌ لبنانِيَّةُ عتيقَةٌ تُرخي عَباءَتَها على الوطنِ مَخَافةَ أنْ يَلحَقَهُ ضَيْمٌ أوْ يُعَكِّرَ سماءَهُ غَيْم

هذا الشيخ البعلبكيُ العتيقُ آلَمَهُ الوَصفُ الكلاميُّ القارِحُ الذي يُلْحِقُهُ بَعضُ الجُهّالُ بمنطقةِ بعلبكَ وأهلها ، بمثل ما جَرَّحَهُ صَمْتُ العُقَّالِ وسكوتُهمُ عن الرَجْمِ الذي تَعَرَّضَتْ لهُ هذه المدينَةُ الشَمسيَّةُ ومنطقتُها البَهِيَّةُ ، من دُخَلاءَ جُهلاءَ لا يعرفونَ للكرامةِ معنىً..ولا هُمُ من أصحابِ العِزَّةِ والنَخْوَة..ولا همُ يفقهون َ معنى ( صُرَّةِ العربِ ) ولا دلالةَ ( البساطِ الأحمدي) ولا الإحتكامَ إلى مَشورَةِ (شيخ ِ الصُلح)، ولا أمانَ حَصَانةِ (عتبةِ البيتِ)، ولا الى خيرات ِ البيادر وجنى الكروم وغلال المواسم ، التي هي مشاعٌ لكلِّ مَنْ إستحلى وتمنّى..( أيدَك وما تطال ) من الثمار
صَرَخَ الشيخُ :”الحَيْفَ الحَيْفَ الحَيْفَ”… نَهضَ عتيقُ بعلبّكَ من تَعَبِهِ…مَسَحَ عرَقَ جبينهِ بكوفِيَّتِهِ { المُعَقَّلَةِ} ، هَنٔدَمَ {غُنْبازَهُ} ، شَدَّ وَسْطَهُ {بالسَيْرِ }، عَلَّلَ قَهْوتَهُ على وَقْعِ دَقَّةِ المِهباج ، سَندَ ظَهْرَهُ الى التاريخ ، و راحَ يَتَذَكَّرُ ويَسْرُدُ و يأخُذُ راحَتَهُ بالكلامِ ، وإسداءِ النصائحِ والنَهْي عن القبائِح ، عاقِداً الهِمَّةَ لأنْ يَبني لبنانَ الجديد كما هوَ يرى و يُريد ، لا كما كَتَبَهُ لهُ القَدَرُ وإستهانَ به بعضُ البَشَر … بلْ على قواعدَ هَندسَةِ ( القلعة الآية ) وفنِّ عَمارها الأُسْطوريِّ ، أعمدةً وهياكلَ وساحات ٍ ومعابدَ ومُدَرَّجات ومرامِحَ فُرسان ومَرْويّاتِ شهامة
فَتحَ العتيقُ البعلبَكَيُّ جُعْبَتَهُ ، نَبشَ زواياها ، نفَّضَها حتى تَهُرَّ ما بقي َ في كَعْبها من حكاياتٍ و حِكَمٍ وتجاربَ وإختباراتِ الزمن…ولمّا ضرَبَتْ يَدُهُ ببعضِ ما لاقاه ، قَرأَ لُفافَةً خَبَّأَ فيها نُتَفاً من ذكرياتِ العُمرِ الأسمر ِ المكتوبةِ بَعَرقِ جبينِ إبنِ السَهْل ، الذي يرى أن كلَّ الناس همُ ضيوفٌ على تاريخِ بعلبك ومَضَاربَ أهْلِها
…هو قرأَ تدويناتِهِ بِحَشْرَجَةٍ قَطَّعَتْها تنهيداتٌ ساخِنةٌ…. وانا سَكَنَني الصَمْتُ والإصغاءُ والإنصاتُ ، قال
١-نحنُ في لبنان َ اليوم ، نخافُ من أن يُقْفِلَ غيابُ الشباب ِ كُلَّ الأبواب…فنكونُ أمامَ بيوتٍ كَلَّسَها الهَمُّ والغَمُّ، لها أقفالٌ وليسَ لها مفاتيح…بيوتٍ لا نوافِذَ لها ولا مداخِل ولا مخارِج ، وليسَ فيها حتّى طاقاتٌ للضَوء
٢-إنتَبِهْ يا أخي وتَحَوَّطْ لقاتِمِ الأيَّام. فعندَ بَرْمَةِ الدولاب ِ و تَقَلُّبِ الأحوالِ ، يقولُ الصقرُ للبومِ : ” يا أخي “… وغالباً ما يُديرُ البومُ ذَنَبَهُ للصَقرِ الكسيرِ القلب…! وإذا ما أُضْطُرَّتْكَ الأيامُ لِمَنعِ التعدّي عليكَ ، أُوصيكَ بأَنْ تكْسرَ رأسَ المُعْتدي لا أن تكْسرَ خاطرَهُ..إذْ لا يهينُ علينا أَنْ تُهانَ الكراماتُ أو تُطَأطَأَ الرؤوسُ
٣-لا تَكُنْ طَمَّاعاً بالدنيا ، فكُلُّ ما فيها دَنِيٌ و رمادُ تُراب… و اعْلَمْ أنْ ليسَ للأكْفانِ جُيوبٌ
ولا تُصدِّقْ أنَّ القناعةَ كَسَلٌ..ولا الطُموحَ طَمَعٌ
وإعْرَفْ أنَّ الناسَ على ثلاثةِ طِباعٍ
أ-{هوائيّون }: يتعالون عن واقعهم ، ويحاولون الطيرانَ بلا جوانح ؛ إنهم الساقطون.. لا محالة
ب-{واقِعيّون} : أرجُلُهم على الأرض ، يتحَسَّسونَ خَطواتهم قبلَ المسيرِ ؛ إنهمُ الناجحونَ… دائما
ج-{واهِمونَ} : أرجُلهمُ وأيديهم ُرُباعاً ، على الأرض، و يَدُّبُونَ دَبّاً ؛ إنّهمُ الزاحِفونَ …أَبدا
فإِتَعِظْ من الأحوالِ قبل أن تُفاجئِك َ الأهوال
٤-وإِحذَرْ من الناس ِ إثنين : حَمَلَةَ المَحَابِرِ ، و حَمَلَةَ الخَناجِرِ
ففي قَلَمِ الكَتَبَةِ ،(وليسَ الكُتَّاب) ،سُمٌ و غَدْرٌ ..فلا يَخونُكَ إلًا الضعيف السخيفُ
وفي خَنْجَرِ الأقربين َ، طَعْنٌ بالظَهْرِ ..فلا يَطْعنُكَ منَ الخَلْفِ ، إلاّ مَنْ كانَ وراءَكَ و قريباً منك
ونحنُ في بلاد بعلبك َ، لسنا يا أخي منْ حَمَلَةِ الخناجِر ، ولا نَمْتَهِنُ الطَعْنَ والغَدْرَ….وإذا ما أَحْوَجَتْنا ألأيامُ ،واجَهْنا الأعداءَ بصدورنا وأكلْنا قلوبَهم ..حكايتُنا أننّا لا نُقْتَلُ إلاّ بالجَبين..وعنْ بُعْد…!! فنحنُ ُحُماةُ الجيرَةِ و موئلُ الضَيفِ ، وحاضرونَ أبدا ً للكَيْفِ والسَيْفِ و مُتَحَسِّبونَ لِغَدْراتِ الزمن.. كلابُنا لا تَهوشُ ، و صَهِيلُ خَيلِنا يُرْجِفُ العِدا… عَشَائرُنا تَحكي تُراثَنا وتصونُ قيَمَنا و ترفُدُ الوطن بصَفْوَةِ رجاله، ترابُنا مَجْبولٌ بدمِ الشهداء، وقبورُنا تعلوها الشواهدُ والآياتُ والصُلبانُ، وأبناؤنا،ضُيوفُها ، تَكْريمُهمُ أَنَّه مَلفوفونَ بالعَلم…همُ ابطالٌ إرتَفعوا مَجْداً وما سقطوا أبداً…نَعتوننا (بالطُفّار) ..نحنُ طَلَعنا قِمَمَ الجُرودِ لا مَحافِرَ المَغاوِر..وعِزُّنا أننا شيوخُ رَبْعَةٍ ،لنا من المجالس ِ صُدُورُها ، ومنَ المنابرِ رُؤوسُها ، ومنَ الدَبكاتِ ( الّلَقْطُ على ألأوّل)..! وإذا ما دَقَّ اللصوصُ البابَ بالغَلَطِ أَؤ أساءَ البعض ُ فَهْمَ طيبتَنا ، لَبِسْنا الغَضَبَ، وتَمَنْطَقْنا بِعِدَّةِ الشُغْلِ وخَرَجْنا من عَريننا لنَكْتُبَ نهايتَهُ بالدّم…مهما كان حِملُ الدم ِ ثقيلاً ثقيلا
~~~~~~~~
وللأغبياءِ الغيارى ، القوَّالينَ بالباطل ِ نقول : نحنُ البعلبكيين ، لسنا زُرَّاعَ الحَشيشِ ، ولا نحنُ قُطَّاعَ طُرقٍ وجماعاتِ طُفَّار ، لا لَسْنا من اهلِ الممنوعات
الممنوعات ُ عندنا ؛ الغَدْرُ و الغَيْبةُ والخيانةُ وأكلُ مالِ الأراملِ و اليتامى ، و ظُلمُ البريئ ، والكُفْرُ ، و التطاول ُ على حقوقِ الناس ِ وعدم حفظِ الأمانةِ وأنْ ترى جوعاناّ فلا تُعطيهِ زادك أوْ عطشانا فلا ترويهِ ، أو عُرْياناً فلا تُكْسيهِ ، أوْ ضالّاً فلا تُهديهِ ، أوْ مُدمناً فلا ترْدعُهُ
وأمّا الفَرائِضُ والوصايا ؛ فجَبْرَةُ خاطِرِ الكسيرِ ، وحمايةُ المَلْهوفِ ، وإغاثة المحتاج ِ ، وعدمُ السكوت ِ عن الحقِّ ، وصَوْنُ الكراماتِ بالدّمِ ، وأنْ نَنظُرَ إلى كُلِّ الناسِ على أنّهم من جَبْلَةِ الأوادم ، وأنْ نتَحَوَّطَ لِغْدراتِ الأيام ، وأنْ نُحَوِّلَ الحربَ إلى سلام….وأنْ نعْبُدَ الله ونَعزَّ الأنبياء َ ونُكَرِّمَ الأولياء َ والقِدِّيسينَ ،وأنْ نَحتَرِمَ مَنْ آمنَ ، ونتَفَهَّمَ العقائِديينَ ونحترم َ الحريةَ ، وكلَّ فكر حُرٍّ …فَننامُ وأبوابُنا مُشَرَّعةٌ للضَيفِ ..و نبقى مُرتاحي البالِ أنقياءَ الضمير
**وإلى مواقِفَ غَنِيَّةٍ منْ أيَّامِ بعلبك ، نقرأُها في لُفافَاتٍ وَرقيَّةٍ مَنْسيَّةٍ وأُنبوشَاتٍ ذِهنِيَّةٍ كثيرةٍ وفيرةٍ ، نَسْتلُّها ذخيرةً بيضاءَ من{ جُرْبَندِيَّةِ} الختيار البعلْبَكِيًِ العتيق ِ.. هو يُفَلْفِشُ بها خبايا الزمن ، ويَحْكي فيها خفايا الأيّام….قبلَ أنْ يَنْعسَ القَدَرُ ، وتَنْسَدِلُ السِتارةُ على طِيبِ الأحلام ، ونحنُ نتَلهًى بالحَكي و نَنْتَشي بإستعادةِ الريادةِ والإمساك ِ بالزمام