من وحي اختلاف الرأي في النظر إلى المال، بشكلٍ عام، من قِبَل الإنسان، في أية بيئة أو بلد في العالم ، كتب المفكر الشهيد حسين مروة، في جريدة “الحياة” البيروتية، زاوية “مع القافلة”، تاريخ 16 نيسان 1953
عنوان المقالة :
المال “الصنم” … والمال “الأداة”
هذا نصّها :
هناك نظرتان للمال في عالم الأرض هذا :
ـــ نظرةٌ ترى في المالِ إشباعاً لرغبةِ الربحِ وحدِه، أي تراكمِ المالِ فوق المال لمجرد أن يكونَ موجوداً متراكماً، وفي هذه النظرة يكونُ المالُ غايةً لذاته .
وهنا يكونُ المالُ “صنماً”، يكونُ معبوداً، أي يكون قدرُ الإنسان : قدرُعقله ومواهبه، وقوى نفسه وجسده، وذخائر روحه ودمه وعصبه، وعلى قدر ما يملكُ من وسائلِ الزلفى إلى هذا “الصنم”، هذا “الإله” المعبود، وعلى قدر ما يستطيعُ هذا الإنسان أن يشقَّ لنفسِه بنفسِه، وسط الزحام والصدام، طريقاً إلى “حرم” ذلك الإلهِ المعبود، ِإلى “كميّته ” المقصودة !
ومن هذه النظرة ِ”الوثنية” إلى المال انبثقتْ فلسفات، وآداب، وشرائع، وتقاليد، وطقوس، ومقاييس، وانبثقتْ ألوانُ منَ “الحِكَم” والأمثالِ تؤيّدُ هذه “الوثنيّة” وتمشي في ركابها .
ومِن هذه النظرةِ “الوثنية” ذاتِها، انفسحتْ في هذه الأرض ميادينُ للصدام وتفجّرتْ براكينُ للأحقاب، وتسعّرتْ حروبٌ بين الإنسانِ والإنسان .
ثم من هذه النظرة “الوثنية” إلى المال، وُلد الاستعمار، وفي ظلالِها نشأ ودرَج، حتى كبُرَ وعظُم، وحتى أخذ يدورُ في الأرض، يضربُ بـ “عصاه” من هنا وهناك، يُفجّر به المال، ويَهدرُ بتاريخ الإنسان، يتابعُ الخيرَ والحقَّ والفكرَ والعقل !
ـــ وهناك نظرةٌ للمال غيرُ تلك، نظرةٌ ترى في المال ” أداةً ” للإنسان، أداةً ليس أكثرَ من ذاك، أداةً لحاجاتِ الحياة الإنسانية، لصحة الإنسان، وعافيته، وطمأنينته، ورفاهيته، لحريته وكرامته، لقدرته على الخلق والإنشاء . فإذا استطاع المال، في هذه النظرة، أن يكونَ أداةً حقاً لغاياته تلك، كان شيئاُ مقدوراً، وإلاّ هو ليس بشيءٍ مطلقاً.
وفي هذه النظرة إلى المال، نرى أنّ الإنسانَ هو الغاية، وأن المالَ ليس إلا وسيلة لرفع قيمة الإنسان، وما هو، إذن، بصنمٍ ولا أنه معبود