يوسف طراد
ناطور القرية من الرجال الأشداء، شبّ وأكتهل في ربوع القرية، على صخور جبالها العنيدة، وفي أوديتها المجلّلة التي ترتدي من الزيتون والسنديان ثوبًا ابديًا
قامته مستقيمة كالرمح (الريديني) عصيّة على الإنحناء، لون وجهه خرنوبي، اِستعاره من أشعة شمس قريته
تربّع على عرش النطارة وحمل عصاتها، كان بخلاف (المآمير) لا يرتشي أو يسمح بورقة سنديان مغادرة غصنها إلّا بأمر صاحبها
لم يكن أحد يعلم مكانه، كأنه من الجان يظهر على سارق الكروم من الغيوم
مسكنه أراضي البلدة الواسعة، مشلحه الريح، قبعته ضميره الذي لم يعرف أحد سعره
ينتصب كالمارد على رؤوس الجبال حينًا، ويقبع خلف الصخور احيانًا، ليشمل بنظره مملكته وكرومها وزيتونها، من خلال منظار موشوري يقرب المسافات ويجلي مواصفات السارق
في عهده لم تر بهيمة في غير موضعها أو في أرض لم يُدفع ضمانها
مطبوع في عقله جميع عقارات القرية وأسماء مالكيها ومستلميها ومساحتها وحدودها، كأنه دائرة عقارية سائرة على أرجل أو حاسوب في رجل
عند إنتهاء وظيفته، طُمرت عين وجُرفت أخرى، شحّ نبع وتلوث آخر، فقد كانت مورده ومصدر اِنتعاشه في قيظ الهاجرة
لا لزوم لخلف له، لأن الكروم أصبحت وعرًا، تبكي حجارة حفافيها المهدورة. صمتت معاصر العنب عن أغانيها، لم تعد تصبّ عصيرها في الخلقين للقاء النار. اِشتاقت الموائد إلى الزبيب، ما زال المعجن ينتظر رائحة البركة والصاج لقاء (الكارة)، أهمل الزيتون، تحطمت الخوابي. معظم شباب هذا الجيل لا يعرف موضع الأرض التي ورثها عن أبيه
سيدي الناطور عد إلينا لتحرس الزمن الجميل، فمن كان يخاف من ناطور لا يخاف اليوم من طابور
٥ أيار ٢٠٢٠