أ.د درية فرحات
يناديها روح، يطالعنا هذا العنوان بضمير الغائب، فيبدأ التّشويق وتتحقّق الوظيفة الإغرائيّة للعنوان، فيتساءل المتلقي من هو الذي يناديها، ومن هي روح، ولماذا يناديها بهذا الاسم، لنكتشف من الإهداء أنّ البطل اسمه محمد سامي وقد اقبسته الكاتبة من اسم خالها، وكأن الكاتبة هنا تؤكّد أنّ القصّة من واقع الحياة، فلم تضع اسمًا متخيّلًا، إنّما أخذته من محيطها، ولعلّها أخذت منه الكثير من طباعه وتقول في الإهداء إنّها تعلّمت منه الكثير
ولا يتوقف هذا البعد الواقعي في الرّواية من الاسم، إنّما تشير الكاتبة إلى وقائع حقيقيّة، تحدّد فيها المكان والزّمان، “ولكنّ ما يحدث في مصر الان أشبه بعودة الرّوح، إنّها كلمة شعب لطاغية، أثارت بداخلي روح الثّائر ومعاني الوطن الجميل ثانية”، وقد نقف هنا على كلمة روح، فنتساءل من هي روح التي برزت في العنوان، وهو ما نكتشفه في توالي الأحداث، فروح هي الحبيبة التي لا يستطيع البطل العيش من دونها، وهنا قد تتماهى هذه الرّوح فتكون هي الرّوح المصرية التي تتأصّل في كلّ نفس
وإذا أخذت الكاتبة اسم بطلها من الواقع، فإنّها تحرص على تضمين قصّتها أسماء حقيقيّة لكتّاب ونقّاد، نعرفهم يعيشون معنا ونلتقي بهم ومنهم طبعا رئيس مختبر السّرديّات في مكتبة الإسكندرية الأستاذ منير عتيبة، والدّكتور عبد المجيد زراقط الذي أجلّ واحترم وهو ناقد وقاص من لبنان، فتشير إلى جزء من روايته، وهنا تستخدم الكاتبة تتقنية التضمين لآراء وسنوات وأحداث، ومن أهم اللآراء التي استندت إليها الكاتبة رأي الأستاذ منير عتيبة عن مفهوم الزّمن لتختم بها روايتها. ولا تكتفي بالأسماء، إنّما نراها تشير إلى مواقف وقضايا عشناها وما زلنا نعيشها، من عقد ندوات ومنتديات أدبية. إلى ما يرد فيها من أحداث لثورة يناير في مصر، إضافة إلى الكثير من المعلومات الطّبيّة
قد يقول المتلقي هل تحوّلت هذه القصّة إلى تأريخ وتكون نهى عاصم مؤرخًا يوثّق الحقائق والمناسبات؟ وتأخذنا كاتبتا العزيزة إلى عالم السرد عبر بنية متخيلة لمحمد سامي الذي يعود من الاغتراب لأسباب عديدة، منها تغير الحال في البلاد، والرّغبة في المشاركة بثورة أبناء بلده. والسبب الثاني هو لمعالجة حبيبة القلب التي حُرم الزّواج منها خوفًا من نتائج زواج الأقارب
وهنا تبدأ حبكة القصّة التي هي سلسلة من الحوادث التي تجري فيها مرتبطة عادة برابط السّببيّة، فيكون مرض الحبيبة هالة/ الحبيبة أو روح هو الدّافع للقصّة وقيام هذا السرد المتخيّل. وهنا تكون الكاتبة قد استندت إلى أشهر الحبكات وهي حبكة قصة الحبّ
وما يحكم رواية يناديها روح هو رغبة التّغيير والتّحرّر من الفكر القديم المسيطر، وهذا ما رأيناه مع روح وبعضًا من أبنائها، في رغبتهم بتحرير مصر من الفساد، وطبعا هم هنا يمثّلون الشّعب. وندى التي تقوقعت في عالم غريب يمثّل الإرهاب الذي رأيناه في بعض الجماعات الدّينية المتشدّدة، فهي ايضًا يحكمها الرّغبة في التّغيير والخروج من جلباب محيطها، وإن كان هذا التّوجّه فيه الكثير من المزالق والمخاطر
رواية “ينهاديها روح” رواية تنقل لنا الواقع الاجتماعي، بقضايا متعدّدة نعيشها، ونبدي فيها رأينا عبر وسائل التواصل، ومن يقرأ الرّواية يشعر كأنّه شخصية من شخصيّاتها، أو أنّه يتحدث عن موقف صار معه، لأنّها بأحداثها وشخصيّاتها قريبة من المتلقي. والرّواية فيها تعبير عن قضايا سياسيّة ونضاليّة واقتصاديّة وطبيّة
شكرا لك نهى عاصم وإلى مزيد من التّألق والنجاح