سمير اليوسف
بيروت درويش
“تُفَّاحةٌ للبحر، نرجسةٌ الرخام
فراشةٌ حجريّةٌ بيروتُ . شكلُ الروح في المرآة
وَصْفُ المرأة الأولى، ورائحة الغمام
قصيدة بيروت
أقام محمود درويش في بيروت ما بين عام 1973 و1982
أهم ما كتبه من دواوين، ربما باستثناء “أحد عشر كوكبا” إنما كتبه خلال اقامته في العاصمة اللبنانية أو بأثر تجربته هناك. هو نفسه قال أن “تلك صورتها وهذا انتحار العاشق”- 1975- أهم أعماله
كتابه الأخير “حصار لمدائح البحر”، المرتبط بالمدينة، إنما ينتهي بقصيدة طويلة رائعة عنوانها “قصيدة بيروت”
درويش أحبّ بيروت وأحسّ بالانتماء إليها أسوة بإحساس اليوناني كفافي أو الإيطالي أونغاريتي تجاه الإسكندرية. لا أظن أنه، منذ رحيله عن فلسطين، عام 1970، أحس بالانتماء الى مدينة أخرى كما أحس في بيروت وهو كان أقام في موسكو والقاهرة ولاحقاً باريس وعمان. بل ويمكن القول أنه خُلق من أجل مدينة مثل بيروت وأن المدينة نفسها اكتسبت هويتها الاستثنائية من خلال ضيافتها الكريمة لشاعر بمنزلته
“عندي مرض جميل اسمه الحنين الدائم إلى بيروت” قال مرة بعد أعوام عديدة على رحيله عنها
لا أحد كتب عن بيروت بحبٍ أرقى مما كتب درويش. طبعاً هناك قصيدة نزار قباني الشهيرة التي غنتها ماجدة الرومي. قصيدة تنضح تملقاً ونفاقاً وقد وجدت في صوت الرومي الذي لا يُطاق ما يوازيها من القبح
درويش لم يكتب عن حبه للمدينة وعن احتفائه بوجوده فيها فقط. بيروت في قصائد ونصوص درويش هي أيضاً المدينة التي عانت من ويلات الحروب والحصار. ولكن علاوة على كل ذلك إنها مدينة الحرية بالمعنى الفعلي للكلمة، أي المدينة كانت خلافاً لإرادة العقول الصغيرة للطائفيين والانعزاليين. وهؤلاء خاصة الذين، يا للمفارقة، دفعتهم رغبتهم الجنونية الى تحويل المدينة الى مجرد قرية ممتدة، يحكمها أصحاب خيال فلاح يحس أن الناس لصوصاً، إلى استدعاء مختلف الجيوش الغازية الغاشمة. وفي النهاية تقاسمها أتباع نظامين، الإيراني والسعودي، هم من ألدِّ أعداء الحرية والجمال في العالم وربما في التاريخ أيضاً
اليوم إذ نحنُّ إلى بيروت كما كان محمود درويش يحنُّ إليها لا سبيل آخر لنا سوى أن نسدل الستائر على المدينة الحزينة ونلجأ الى سطور درويش نفسه
“تُفَّاحةٌ للبحر، نرجسةٌ الرخام
فراشةٌ حجريّةٌ بيروتُ . شكلُ الروح في المرآة
وَصْفُ المرأة الأولى، ورائحة الغمام
بيروتُ من تَعَبٍ ومن ذَهَبٍ، وأندلس وشام..”