تقع شليفا في قضاء بعلبك وتبعد عن بيروت مسافة 100 كم. هي بلدة قديمة جداً تكثر فيها المغاور والآبار الصخرية، التي يعود تاريخها إلى العصرين اليوناني والروماني.
تسمية شليفا هي كلمة سريانية الأصل، “الشلف” يعني الزهر أو السنابل أو الأغصان التي تحمل الثمر. والأرجح أن يكون معنى الإسم مرج الزهور لأن البلدة عُرفت بسهلها المكسو بالزهر والعشب. والبعض يعتقد أن اسم “شليفا” يعني العدالة، لأن البلدة كانت مركزاً عدلياً مهماً.
وفي أعلى التلة الصخرية التي تشرف على البلدة ومنطقة دير الأحمر والبقاع، ينتصب جداران ضخمان متقابلان تتناثر من حولهما بقايا أحجار ضخمة، هما بلا ريب ما بقي من معبد قديم يبدو من إحدى الكتابات التي عثر عليها في جواره، أنه أقيم لتكريم الإله Mercure. يطلق على هذا البناء تسميات عدة، فهو يُعرف بـ”القصر” أو “قصر مار يوحنا”، ويُطلق عليه أيضاً تسمية “قصر البنات”.
أما تسمية هذا البناء الاثري بـ “قصر بنت الملك” أو “قصر البنات” فهي نسبة إلى الكاهنات العذارى اللواتي كنّ ينذرن أنفسهنّ لخدمة الهيكل ويقدّمن العبادة للإلهة “فستا”، وهي إلهة النار المقدسة الدائمة الاشتعال، والتي تقول الأسطورة إنها علّمت الرومان كيفية استعمال النار. وكانت الكاهنات يسهرن على إبقاء الشعلة المقدّسة، التي هي رمز الإلهة، مضاءة باستمرار.
هنالك رواية آخرى تتحدث عن ابنة ملك قنفّذ، التي لم يستطع والدها تحمّـل طبعهـا المتسلط، فشيّد لها قصراً بعيداً عن المملكة وأسكنها فيه مع مجموعة من صديقاتها. ويقال إن هذه الأميرة القوية عملت على جرّ المياه إلى قصرها بواسطة قنوات تمتد كيلومترات عدة، فوق أعمدة لا تزال آثارها ظاهرة حتى اليوم وهي تصل إلى منطقة بعلبك. ويقال أيضا إن هذا المكان كان قصراً للسجناء والخارجين عن العدالة وكبار المتهمين.
بني هذا المعبد وسط باحة مستطيلة لا تزال معالم السور الذي كان يحيط بها ظاهرة حتى اليوم. كما وتنتشر حوله بقايا أفاريز عليها نقوش نافرة، وحجارة ضخمة مقصوبة، إضافة إلى عدّة أبار محفورة في صخرة التلّة على شكل جرار.
وفي العام 395 ميلادي أصدر الأمبراطور الروماني تيودوسيوس أوامر تقضي بهدم كل المعابد الوثنية الموجودة على أراضي الأمبراطورية ومن بين هذه المعابد “قصر البنات” الذي تم هدمه أيضاً في تلك الحقبة.
كشفت الحفريات التي جرت في الموقع في نهاية القرن التاسع عشر، عن معالم كنيسة من أوائل العهد البيزنطي بُنيت في باحة المعبد وملاصقة لجداره الجنوبي. والمحتمل أن تكون هذه الكنيسة قد شُيدت على اسم يوحنا، إذ إن مزاراً للقدّيس كان لا يزال قائماً في الموقع ذاته حتى فترة قريبة.
قصر البنات: تعود التسمية إلى الكاهنات العذارى اللواتي كنّ ينذرن أنفسهن لخدمة وعبادة الإلهة (فستا). شيّد القصر في ساحة مستطيلة يحيط بها سورُ قديم لا تزال آثاره منتصبةً شامخةً حتى يومنا هذا، فضلاً عن الآثار القديمة لقنوات جرّ الماء نحو القصر، ما يميّز الرحلة نحو القصر المنتصب على تلّةٍ أنه ينبغي على الزوار تسلّق التلة سيراً على الأقدام وسط مناظرٍ طبيعيةٍ خلاّبة طوال الطريق نحو القصر الذي يشرف على سهل البقاع بالكامل في مشهدٍ سينمائي نادر قد يشارك به أهل القرية الطيبون بصفة أدلاءٍ سياحين للزوار.
بحلول منتصف القرن الثاني، بنى الرومان العديد من المعابد الصغيرة وغيرها من المقدسات بالقرب من بعلبك. ولما كانت هناك وجهات عديدة للحج لدى سكان المدن الكبرى الواقعة على الساحل. شُق أحد الطرق الرئيسية الرومانية -المرصوف جزئياً بالصخر- ليؤدي مباشرة من بعلبك إلى المعابد الجبلية في الحصن بنيحا. أحد أشهر هذه المعابد اسمه الأصلي (كاسترا البنات) “Castra El Banaat”.
صنف عالم الآثار جورج ف. تايلور قصر البنات ضمن مجموعة من المعابد الرومانية القديمة في البقاع. وبالرغم من الاعتقاد بأن تاريخه يرجع إلى العصر الروماني القديم، إلا أنه من الممكن أن يكون قد شُيدّ في الأصل -كمعبد متناهي الصغر- خلال العصور اليونانية المتأخرة أو ما قبلها. يقع المعبد على هضبة صخرية، يمكن الوصول إليها عن طريق صعود تل على ارتفاع 1100 متر. وتُغطى العديد من المنصات والصهاريج والخزانات والدرجات التي اقتطعت من الأحجار الصلبة، الجزء العلوي من التل. وداخل هذه الأطلال يوجد معبد على طراز “آنتاي-antae” (معبد صغير من الأعمدة المربعة)، مبني من كتل مربعة كبيرة كانت تستخدم كحصن في وقت لاحق. بعض أجزائه مازالت سليمة وقد شُيدت على علو طبقتين أو ثلاث. كما شُيدت بازيليكا (ربما في العصر البيزنطي المسيحي) من فترة لاحقة بجوار المعبد.