د. عماد فغالي
إليكم نصُّ المقدِّمة
أفقها المفتوح، إنسان
روايةٌ في تبادلٍ رسائليّ، في حجمِ إنسانيّةٍ، في عمقِ مأساة… شكرًا لأنّها انتهتْ بضوء
“إلى مديانا”. في البدايةِ من مديانا، كأنّما الفتحُ جاء من محبوبته، الراوي، الشخصيّةُ من داخل، ضميرُ المتكلّم، بطلُ الامتداد النصيّ الآسر السياق. تتخبّطُ في نفسي القارئ، التعبيراتُ، تفاعلاتٍ وانفعالات، فلا أهتدي إلى قراءةٍ أدبيّة كما دأبي
أديب كريّم، أهذا أنتَ؟ أبطلُ روايتِكَ أنت، أسيرتكَ الذاتيّةُ هذه، بثثتَها أفكارك وتوجّعاتكَ؟ مبادءَكَ وقناعاتك؟
منذ العنوان، “كآبةٌ في عقلي”، سرتْ في أسطرٍ لم تدوَّنْ بمِداد، لكنْ نُزفتْ بمشاعرَ ممزّقة، جراحاتٌ دامية عاشها الراوي في تفاصيلَ عاناها، لا لأنّه نشدَ المُثلَ، لكنْ لافتقاده المقوّماتِ الدنيا لإنسانٍ في كرامة!
الروايةُ في الشكلِ مراسلة، ما بينَ “الأنا” الراوي وحبيبته “مديانا” الهُجّرتْ قسرًا، إبعادَها عنه، لأجلِ خضوعٍ مجتمعيّ لأبوّةٍ “فاجرة”. لكنّ اليراعَ في الجهتين، يكتبُ كلّ شيء. هذا إجهارٌ ببوحٍ عابرِ الظلمات!
هنا، “كآبةٌ في عقلي”، اعترافاتٌ وتقيّؤاتٌ وتعرّيات، فكريّة ومعتقديّة، إن أظهرت، فجمالاتِ النفسِ البشريّة في حقيقتها الصافية، في لفظاتها الوباءاتِ اللاطخة جدرانَ تنفّساتها الطهور
النفسُ البشريّة، الجميلةُ في إخفائها إخفاقاتها، ليستْ خلوًّا من تنعّمٍ باهتداء
المجتمعُ، الروايةُ تقولُه بقسوة. العاديّاتُ المجتمعيّة، سوادُها الأعظمُ مظلمٌ ينقاد… فتصيرُ انقياداتُه معتقدات، وتلكَ مقدّسات، حذارِ مساسٌ أو انزياح! الطامةُ الكبرى، متى طاولتِ المقدّساتُ الإلهيّات… وأخذت المنحى الدينيّ. لكأنّما اللهُ في علوه يخضعُ لضوابطِ أديانه، ويستحيلُ “فزّاعةَ”عِباده. الكابَدَ الوجعَ الدفين، جرّاءَ الجَور القابض النفوس، في أحكام الماسكين الزمام، تساءلَ عبر السرد: “هل تؤمن بالله؟”. أيُّ الله هذا يحدّثنا عنه الدين، يخلو من رابطٍ بمؤمنيه؟ كأنّما قولةٌ: “لا تحدّثني عن الدين، دعني أراه في تصرّفاتك”
إذا رحتُ في أسلوب، عنصرُ التشويق غالبٌ في الحبكة. أنتَ لا تُفلتُ القراءةَ بإرادتكَ! في المواقفِ كلّها، كما في الأحداث، أنتَ في عجلةٍ من أمركَ: إلامَ ستؤول؟ ولا تحجم عن ضحكةٍ تدوّي، لا تستطيع إلى إمساكها سبيلاً!
“إلى مديانا”… وإليها، رسالةٌ منها وأخرى جوابيّة إليها، بمرسلةٍ واحدة: كآبةٌ. “… في عقلي”، قال… ومنذه في أخلاقيّاتي وإنسانيّتي، تلكَ الطبيعيّة قبل المكتسَبة… كآبةٌ لأجل تشوّهاتها الأتاها من تسمّى ظلمًا، إنسانًا
الرسالةُ وجوابها كأنْ حوارٌ على مدّ الصفحات… وفي السرد، الحوارُ يغنيه في انسياب
مديانا، الحبيبةُ البعيدةُ الإليها عنوانُ الرواية ومطلعُها، يختم سردَه الراوي بها في الفقرةِ الأخيرة، بل في الجملة النهائيّة، انفتاحَ رجاءٍ باجتماعهما… ما أجملَه الربطُ تماسكًا موضوعاتيًّا، يُهدي الأفقَ المفتوح على الأمل
أديب كريّم، لا تكنْ مغمورًا… اسمُكَ جوازُكَ إلى كلّ أدبٍ في ملء إنسان