.بقلم احمد السماري
رواية ثقيلة بها الكثير من الثيمات في دفاترها التي تُجسد قضايا واقعية من أرض المجتمع العربي نعيشها ونسمع بها في هذه الحياة، فشخوص الرواية تمثل المجتمع ومعاناته
تحكي الرواية قصة إبراهيم بائع الكتب والقارئ النهم الذي يفقد كشكه ويجد نفسه أسير حياة التشرد، وبعد إصابته بالفصام يستدعي إبراهيم أبطال الروايات التي كان يحبها ليتخفى وراء أقنعتهم وهو ينفذ سلسلة من عمليات السطو والسرقة والقتل، ويحاول الانتحار، قبل أن يلتقي بالمرأة التي تغير مصيره. يصادف حياة أشخاص أخرون يفقد بعضهم بيته، ويعاني البعض الآخر أزمة مجهولي النسب، ويقاسي البعض عدم انتمائهم إلى عائلات كبيرة، سير الاحداث والتنقلات مابين الفصول من ماضٍ وحاضر و أيضاً فواصل الكوابيس التي تمثل خليط من الخيال والواقع أما مسار التقاء شخوص الرواية به بعض من المبالغة الغير منطقية أحياناً، أمّا سرقة البنك فليس فيها بناء مقنع، والنهاية جاءت صادمة وغير متوقعة، الرواية اتّخذت الصدف مكاناً وزماناً ومحوراً أساسيّاً، لتحوّل الحدث وتبدّله، معتمدة على ثلاث دفاتر (مذكرات شخصية) في محاكاة للنمط الغربي، وبعيدة عن المجتمع العربي المعتمد على المشافهة الذي يبدو أكثر اقناعاً وأمتن حبكة للقارئ العربي، كما حشد الكاتب وجوهاً كثيرة لاضافة جوٍّ من الإثارة، ولكنّ لم يحكم السيطرة على خيط العقدة الأساسيّ في عالم النفس، الذي يبدأ بعقدة نفسيّة مكتومة وينتهي بكارثة إنسانيّة حقيقيّة
تميزت الرواية بلغة سهلة وبليغة في آن، مع تسلسل فصولها، وبإنتهاج أسلوب مشوق بصبغة بوليسية إلى حد ما، وبرزت مهارة الكاتب في قدرته على الإمساك بخيوط الرواية المتعددة والمتشعبة بالرغم من قيامه بإنهاء كل فصل والتوقف عن السرد عند حدث مفاجيء او مشوق لينتقل إلى فصل آخر ودفتر آخربشكل يجعل القاريء في حالة إرتهان وترقب وبعض الارتباك، وتتبع لما ينتظره من أحداث. تعدد الرواة في الرواية أعطاها نكهة خاصة تبعدك عن الملل الذي يُحدثه السرد لو كان على لسان راوٍ واحد
دعم الكاتب روايته بأقوال عظماء من أدباء وفلاسفة مثل دوستويفسكي وفرويد وغيرهما. فيقول: (في البرد تسقط أحلام الوحيد إلّا صورة الحضن الدافئ• الحرارة تطرد الماء من الأشياء بحجة التبخّر فينتصر الجفاف، والبرد يجلب أمنيات العصافير بمزيد من القش لتحافظ على أعشاشها• ها أنا الآن وجهًا إلى وجه مع سكاكين العراء الحادّة، لست حزينًا، لست خائفًا لكني أحتاجك جدًا). الكثير من الثيمات؛ مواجهة الظلم والفساد وعدم الإستسلام، القمع والإعتقالات السياسية(وهي حالة لا ينفرد بها المكان التي جرت فيها أحداث الرواية بل تشاركه بها معظم بلادنا العربية)، المرأة وما تتعرض له من مشاكل، وبإشارة لافتة ولكن معبرة تطرقت الرواية إلى التمايز الطبقي بين فئات المجتمع وإندثار الطبقة الوسطى، وهزيمة الوطن وتفشي الفساد المجتمعي:”الأوطان لا يهدمها المحتلون فقط؛ إنما يحدث أن يهدمها محبوها أيضاً.”، واضطهاد المثقّف ثم أقصاه من المشهد قصرًا
ما لامسته في رواية جلال برجس بحثه عن نقطة الإلتقاء تلك التي بداخل الإنسان باعتباره كائنًا ميتافيزيقيًا؛ تُعبر دوافعه عن اللاشعور أو اللاوعي والعقل الباطن؛ حوارات داخلية فلسفية و أحيانا عنيفة، يدخلان في ذاته العميقة و منطقته الرمادية، إنسان مشتت، عاجز، هش، يجمع بين العفة و الإجرام، بين الثقافة واللامبالاة، إنسان المتناقضات
حازت الرواية على الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2021، المعروفة باسم «جائزة بوكر العربية»
مقتطفات من الرواية
” كم هو قاس أن تكتشف على نحو مفاجئ أن حياتك صنيعة الآخرين ، وأنك لم تكن إلا مستجيبًا لما يرونه الصواب!”
” ألقيت ُ بدني على خشب الجسر فهجمت زرقة السماء عليّ كأنها ستحمم روحي من أسى عتيق، أدركت حينها أن اللحظة التي تقع بين الموت والحياة مثل شعرة تلتصق بسطح العين، ما إن تزول حتى تتضح الرؤية ، وأن ثمة أحداثًا مباغتة تبدل وجهات اعتقدنا أنها نهائية لا عودة عنها.”
” أقسى ما يحدث للإنسان أن لا يجد وسيلة لإقناع أحدهم بحقيقة لا دليل إليها “- ” الخوف رسام غريب يخط على ورق مخيلاتنا ما لا نتوقعه