الكاتبة ريم شطيح
في سلسلة ڤيديوهات على إنستغرام تقدّم دور شخصية المرأة العربية المتزوجة، الأم، العاملة في البيت، والتي تبدو مستاءة بشكل دائم، وتتكلم بغضب وتوتر، ولا تتوانى عن ضرب أولادها بأي لحظة بحذائها، في محاولة لتقديم الشخصية كمحتوى دعابي ضاحك ومقبول للجميع
ولا أنكر أني ضحكت كثيراً عند مشاهدتي إحدى هذه الڤيديوهات بالصدفة من صفحة اسمها عمرو مسكون، إضافةً لإبداع الشاب الواضح رغم أنه تمّ انتقاده من البعض أنه يسوّق لصورة سلبية عن المرأة العربية كما باقي الڤيديوهات والصفحات المماثلة
ومع أني رأيت إبداعاً لديه بغض النظر عن الصورة السلبية للشخصية المُقدَّمة إذا جاز تعبير السلبية هنا أصلاً، لكني توقّفت عند نقد البعض، وتساءلت، ألا توجد هذه الشخصية في مجتمعاتنا؟ أكيد ليست كل النساء بهذه الشخصية، ولكن هذه الشخصية موجودة وبكثرة خاصةً في الأجيال السابقة
هم يقدّمون جانباً من حياة المرأة المتزوجة والأم، سيما من نساء الأجيال السابقة عموماً، ولا أعرف إنْ كان صُنّاع هذا المحتوى منتبهين، أو الذين انتقدوهم منتبهين، للأسباب التي شكّلت هكذا شخصية للمرأة كما يقدّمونها (وأنا أتكلم حصراً عن هذه الشخصية)، أو هم غير منتبهين ويقدّمون شخصيةً يعرفونها وحسب من دون تحليل الأسباب
بكل الأحوال، هذه الشخصية موجودة في مجتمعاتنا كما قلت خاصةً من الأجيال السابقة، التي تَظهر فيها المرأة وكأنّها تعيش عقوبة الأشغال الشاقة في حكم المؤبد الذي يسمى زواجا
فتظهر حياة المرأة وأحلامها تتمركز حول الطبخ وعمل البيت وخدمة الأسرة وأشغال كثيرة من الواضح لم تُعطِها حافزاً لشيء إيجابي في حياة تبدو سقيمة مُرهِقة تسمى زواجاً وأسرةً، وضياع لهدف وللطريق نحو السعادة. فتظهر هذه النساء بمظهر التعاسة والغضب الدائم وقلّة ممارسة الضحك عموماً (كما يقدّمونها في ڤيديوهات مختلفة سورية ولبنانية)، وهذه تعبّر بدايةً عن فراغ العلاقات من الحب، لأنّ الحياة “المفروضة” الفارغة من الحب، هي كالموت البطيء، تماماً كعقوبة المؤبد مع الأشغال الشاقة كما تظهر المرأة فيها تبعاً للشخصية المُقدَّمة
ستقولون ولماذا تفترضين عدم وجود الحب؟
أقول، لأنّ الحبَّ لا يخطئ في ضخّ الفرح على وجوهنا والاستقرار العاطفي والذي ينعكس على الاستقرار النفسي ويؤدي للارتياح
فالعلاقة التي تفرغ من الحب؛ تفرغ من الحياة، وكما أن لا معنى للعفة بغياب الحب، لا معنى للزواج أيضاً والحياة فيه بغياب الحب
هذا جانب. وتحتلّ الثقافة المجتمعية الجانب الآخر الذي صنع أصلاً شكل هذا الزواج وساهم بتشكيل هذه الشخصية وتعزيز حالة الغضب الدائمة والاستياء (غير المُدرَك) من كل شيء.
قد يظن البعض أني فلسفتُ الموضوع والحالة عموماً، إلاّ أني طرحتُ تحليلاً أولياً لبعض أسباب هذه الشخصية الموجودة والتي هي نتيجة فوضى وعبثية الزواج عندنا كنتيجة للثقافة المجتمعية والتي لا تستثني الرجل أيضاً
فالناس في مجتماعتنا لا تتزوج دائماً لأنها تحب وفي علاقة حب، الناس تتزوج لأسباب أخرى غالبها الضغط العائلي والمجتمعي ولأن الجميع يجب أن يتزوج، فيتم هذا بشكل عبثي غير مفهوم الهدف.
إنّ أهم ما يُبقي الإنسان شغوفاً متطلّعاً للأمام هو الهدف، وهذا الهدف، إنْ لم يكن من الحب أو جزء منه، لا يكتمل شغف الإنسان بشيء وبالحياة عموماً، وهذا ينطبق على المرأة والرجل، مع خيارات مختلفة للرجل في مجتمعاتنا
مجتمعاتنا كانت وما زالت تُقنّن الحب، تستحي وتغضب من مشهد قبلة في مسلسل؛ بينما تشاهد بهدوء مشهد العنف والقتل والدم
والموضوع ليس فقط بغياب الحب، بل أيضاً بغياب الخيارات! ويتساءلون لماذا هذا العدد الكبير من نسائنا طَلّقن حال وصولهن للغرب، ألمانيا على سبيل المثال. لأنهن وجدن الخيارات
فالزواج الذي دام عشرين عاماً في بلادنا، انتهى بعد شهرين في ألمانيا، على سبيل المثال وليس الحصر.
إذن هذا الزواج وهذه الحالات الكثيرة لم تكن في حالة زواج صحي فقط لأنها استمرّت، بل هي مستمرة بحكم قلة الخيارات وعدم دعم العائلة والمجتمع والقوانين، فنرى كثيراً هذه الشخصية المستاءة دائماً. وحين فُتِح المجال والخيارات، هربت الكثير من النساء من هذا المؤبد الذي عجَنَ وشكّلَ هذه الشخصية المستاءة دوماً كما ربما يُظهِرونها في هذه الڤيديوهات
قبل انتقاد هذه الڤيديوهات والتي رأيت منها لسوريين ولبنانين، والاهتمام بالصورة السلبية للمرأة في الإعلام، ابحثوا عن هذه الشخصية وستجدونها في بيوتكم وبيوت جداتكم، وابحثوا عن الأسباب وربما حاولوا معالجة الأسباب وتغيير الظروف الاجتماعية المحيطة وشكل الزواج والهدف منه كي لا ننتِج شخصيات كالتي تنتقدونها