مصطفى رحمه – فنان تشكيلي
كان زمان تمثل مهنة الطبيب وجاهة اجتماعية تصبوا إليها أغلب الأُسرّ متمنية أن يحوز إبن من أبناءها على أن يُصبح طبيباً، لديه عيادة ويمارس المهنة ولأن الدكتوراه، درجة علمية، ترتقي بصاحبها إلى شريحة اجتماعية مميزة، ولأنها لا تُمنح إلا لطالب من جامعة معترف بها، بعد مرحلة من الدراسة المضنية والبحث المبتكر والأصيل، لذا كان زمان يطلقوا على الطبيب باش حكيم، التركية في الأصل
كانت مهنة الطبيب تُمكن الشاب من هؤلاء أن يقترن بفتاة من سلالة أُسرة ميسورة الحال، أو تعتلي قمة الهرم الاجتماعي بحسبهم من الوجهاء، وأحيانا ولأن مهنة الطبيب وقتها كانت تورّث، فيم لو نال الأب شُهرة مستحقة، تظل الشُهرة تلاحق الإبن الطبيب حتى عيادته و بالمستشفيات الكُبرى
أيضاً كان يصعب زمان الالتحاق بالقوات المسلحة زمن الملكية لتتحقق أماني أي شاب لأن يُصبح ضابطاً
أما بالجيش أو الشرطة، وكلاهما أيضاً يمثلوا وجاهة اجتماعية وأبّهة ترنوا إليها كُل أُسرة
حتى جاء التوقيع على معاهدة 36 وكان من أهم نتائج المعاهدة التوسع في حجم الجيش مما أدى إلى دخول عناصر جديدة من الطبقة الوسطى إلى الجيش ولأول مرة بعد أن كان مقصورا على الطبقات العليا فكان ما مكان قبل ذلك حين دخل أبناء الفلاحين لأول مرة إلى الجيش بعد أن كان مقصورا على الأتراك والشراكسة وغيرهم من أبناء غير الفلاحين
لاشك سلك الضباط يوفّر وسيلة لارتقاء السلم الاجتماعي وضمان الأمان الوظيفي بالنسبة إلى الكثيرين
وأصبح كل منتمي للقوات المسلحة زمن المشير عبد الحكيم عامر الحصول على التمتّع بالنفوذ والمحسوبية، بفضل حضورها الطاغي: حيث تغلغلت جمهورية الضباط في الحياة المدنية لدرجة أصبح وجودها أمراً اعتيادياً وطبيعياً
بعد العام 1991، وسّعت القوات المسلّحة المصرية توغّلها التام في كلّ مجال تقريباً من مجالات نظام حسني مبارك القائم على المحسوبيات. وتم وعدهم بتعيينهم بعد التقاعد في مناصب رئيسة في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات المملوكة للدولة، ومنحهم رواتب إضافية وفرصاً مربحة تُمكِّنهم من كسب دخل إضافي وزيادة موجوداتهم المادية، وذلك مقابل ولائهم للرئيس
وحتى بعد سقوط مبارك، مازال يتمتع كبار الضباط بإمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من الوظائف الحكومية بعد التقاعد، وبالمكانة الاجتماعية المرموقة
لذا أصبح التحاق أي شاب بالمؤسسة العسكرية أُمنية و حُلم يصعب تحققه الآن إما بالواسطة أو مجموع كبير يؤهله للالتحاق بالجيش
زمان كانت مهنة الشيخ متواضعة جدا
لا يقبل عليها إلا الفقراء من أبناء الفلاحين، خاصة من كان بهم عاهة
ونادرا ما يلتحق بها أبناء المُدن، ونتيجة للطلب الشديد على هذا النوع من التعليم يتم التوسع فيه الآن سنه بعد سنه مما يتطلب زيادة مخصصات الأزهر المالية ( ميزانية الأزهر 16 مليار جنيه )
واستنزاف ميزانية الدولة، وكأنها حنفية مفتوحة بلا حسيب ولارقيب
وأما اليوم أصبحت مهنة رجل الدين ذات وجاهة إجتماعية تدر أموال طائلة و مركز اجتماعى مرموق.. حيث يتدخلون فى كل كبيرة و صغيرة
لذا تدرك أغلب الأسر بالقرى والريف والنجوع، وعلى أطراف المدن، أن أولادهم فيم لو التحقوا بالأزهر سيكونوا هم صفوة المجتمع، فيم لو أصبحوا ضمن جمهور مشايخ الإسلام بوقت قريب
لذا استثمر رجال الدين هذه الحالة لتكريسها من أجل سيادتهم على هذا الشارع الجهول و التكسب على حساب جهالته
وحدث أن أصبح رجال الدين والنظام يستمدوا شرعية وجودهم من بعضهم البعض
بعد هذا العرض غالبا خرج الطبيب الشاب من المعادلة، ولم تعد مهنة جاذبة لأحد، ولأنهم أكثرية فيتم توظيفهم برواتب متدنية بمستشفيات الدولة
أما الأطباء أصحاب الشُهرة الذين تحصّلوا على شُهرة أخذت منهم عقود فيصعب تكرار ذلك بزماننا
اللوحات : للفنان عبد الهادي الجزار
وبيادة رسم الفنان محمد حجي
ورسم افتراضي لطبيب شاب