غلاف محير لصورة جانبية لشابة ذات شعر أصفر، وهالات صفراء حول العينان وعند الخد، لديها بعض النمش على الأنف وحوله، تضع بفمها ساق زهرة صفراء أيضًا، ترى لم هذه الهالات الصفراء؟ هل هي رمزٍ ما؟
بالغلاف من الخلف جمل شاعرية عن الظلم، كل وصف بجملة قد يحكي حكاية، وحديث عن توأم فتيات: “سارة وسيرين”،
تعرضتا للظلم من زوج أم وحتى حينما سافروا للنص الآخر من الكرة الأرضية، لتبدأ سيرين تسطر رحلة الظلم في انتظار العدالة وانتصار الخير كما تقول الكاتبة..
إهداء رقيق للأهل والأصدقاء، ثم ندخل الفصل الأول بقلوب تنتظر الكثير بعدما قرأنا كلمات الغلاف..
بكل فصل عدة مشاهد، وتستهل الكاتبة الفصل الأول بمشهد: “فنجان قهوة”..
سارة وسيرين صديقتان كالتوأم، تعارفا في المدرسة، وكن متشابهات كما لو كن شخص واحد ينظر لنفسه في المرآة..
سارة تعيش مآسي الماضي والحاضر وتحكي لسيرين كي تكتب عنها وتروي في حكاياتها كل ما مر ويمر بها من آلام وصدمات لا تنتهي من زوج أم قاس إلى زوج أقسى، وما سوى ذلك..
سافرت سارة وزوجها رمزي وسيرين إلى شيكاغو، وكانت الفتاتان تلتقيان بمقهى إيڤانستون، ولكن هذا أصبح يرهق سيرين، فسارة لا تتحدث سوى عن الماضي أو المآسي وتصر أن تناديها بسارة العاقلة؛ فهي توأمها في كل شيء.. إلا أن سارة تستمر في الغوص في الأحزان، في حين طفت سيرين ونجت منها..
تعمل سيرين لدى سيدة مسنة مثقفة تعمل لتفيد طالما تتنفس كما تقول لسيرين، تغيب سارة بعدما اعترفت لها بقتل زوجها “رمزي” وتظل ترسل لها الإيميلات الخاصة بحياتها، فتحاول سيرين أن تبدأ في كتابة رواية عنها، وستكتبها بلسان سارة نفسها، رغم أنها حزينة أن تعيش الرواية مرتان كما تقول سيرين: واقعًا وكتابة..
الرواية لدينا بعدة أصوات، صوت سيرين الكاتبة وصوت سارة التي تحكي حكايتها بالرسائل، وصوت ليث حبيب سيرين الذي رحل إلى النرويج وتبقى لها معه الرسائل الإلكترونية، وصوت خالد الفلسطيني صديق غربة ليث، ونانسي الأمريكية الإنسانة، فاطمة الفلسطينية المغتربة كما كل أشخاص الرواية عدا نانسي..
بالرواية اسقاطات هامة للغاية تحيلنا إلى استنتاجات وتساؤلات، ترى هل بلد ليث هي؟ وبلد سارة هل هو كذا بعدما فعل ما فعله زوج أمها وبعد ميراثها من الأم؟!
ويبقى السر والحقيقة مع الكاتبة التي تنأي دومًا عن ذكر البلدان وتترك القارىء وخياله وذكاؤه..
ترى الكاتبة أن الكثير من الأجانب يستوعب أمر القضية الفلسطينية بكل تفتح وعقل يفكر ويحلل كل ما يراه ويحكم بعدل..
تجيد الكاتبة وصف الأماكن وخاصة المدن العربية والأجنبية..
لغة الكاتبة عربية فصحى ممتازة، كما أن لها تعبيرات جميلة وجمل ذات لون شاعري وتشبيهات ذات موسيقى رشيقة، مثل:
“أزعجني شعرها الأبيض المنفوش، أحاول تشذيبه دومًا، لكنه يعاندني، يأبى الانضباط، خيوطه تتصارع مع بعض وكأنها سئمت رأسها”..
“تمنيت أن تتوسط سمائي شمس أكثر إشراقًا، لكن الضباب كان أكثر التصاقًا بي، أبى أن ينقشع، بقي عالقًا، أحاطني بدائرة مغلقة، غلفت قلبي بانقباض مزمن، حتى حينما اقترب الحظ مني، أصرت الأحزان أن تطوقني بحبالها وأن تطبق على فمي”..
“قلبي أصبح قطعة فحم معطوبة غير صالحة لإشعال وهج الحياة”.
أجادت الكاتبة التحدث عن الغربة واغتراب العرب في شتى البقاع:
“البعد عن الجذور موت”..
وما أجمل كلماتها عن المدن الفلسطينية مثل الخليل، كلمات غزلتها برشاقة أخرجت لنا نسيجًا من الحنين لفلسطين بكل مدنها:
“فلسطين ابنتي والخليل ابني”
وما أجمل الحديث عن الأثواب الفلسطينية التي يحمل كل ثوب منها تاريخ مدينة فلسطينية:
“الأثواب تحفة فنية تراثية، تتوزع الألوان فيها لتعطي دفئًا خاصًا للقلب حين التمتع بالنظر إليها”..
الرواية تحمل الكثير من الرسائل الهامة، وتحتاج للقراءة والتركيز وفهم كل مشهد من مشاهدها..
شكرًا للغالية هناء عبيد على هذا اللون الجديد في أعمالك، والعقبى لكل إبداعاتك المستقبلية..