ينحت العمارة بين الصلابة و اللين . يحكي بتلقائية و عفوية خام ولكن بدهاء ، قصصاً و أشكال محكيةو معمرة بلباقة من مخزون ذاكرته المليئة بالانفعالات اكثر ما هي مبنية بالأفكار .
فعمارته تقطف من الذاكرة ما يحلو لها قطفاً ذكياً فيها من الوشوشة و الانحياز . و اعتراف بالانهزام امام الواقع .
من خلال ما يبني يحاول ان يعرّي الأشياء من قشورها و يعيد صياغتها لا كما نراها بل كما يريدها . بهذا المعنى عمارته غياب للشكل وحضوراللامتوقع ، هنا يحاول ان يحرر العمارة من حدودها لأخذها إلى لعبة التركيب التي تربط الكتلة بالفراغ ، الإرض بالسماء .
و عمارته تتجاوز الابعاد رغم عقلانيتها لتشكل عالما بالأحجام و الكتل و الأشكال مستقلا عن الواقع .
نرى هنا الإبداع يتنافس في تكوين الأشكال .
عمارته تبقى غير مرئية فهي طريق نحو القلب عبر البوح بالمشاعر و طريق إلى العقل عبر السخرية، من العالم و اعادة صياغته من جديد
فالعمارة ليست عمارة ، بل رضى، و التشكيل ليس تشكيل بل فرح ، و الظل و النور طمأنينة.
هكذا تتحول العمارة إلى المكان الذي يجيئ من الخفاء لينزل إلى المادة و ليقيم فيها اشكالاً لم نعد نذكرها في الذاكرة .
فجدلية الظاهر و الباطن في منحوتته هي شكل من أشكال التحول المستمر ،و تنقلنا من المنتهي إلى اللامنتهي ، من النمطية القالبية إلى الحركية التي تمحو كل قالب.
و هنا كانت التجربة الصوفية التي وحدت بين الظاهر و الباطن ، الموضوع و الذات ، الإنسان و الله نوعا فريداً من العودة إلى الطبيعة ، خروجاً و انغماساً في الحرية.
رغم ان المكعب مكتف بذاته منطوي على نفسه وهو يشكل وحدة متكاملة لا طموحات فيها، فهو يرفض الشكل المثالي للمكعب ليطيح به و يبني عمارته على إيقاع انفعالاته و أفكاره و تناقضاته.
و إذا كان الشيء لا يكتمل إلا بنقيضه فإنه لا يكون ذاته إلا بالآخر .
هكذا تتيح جدلية الظاهر و الباطن امكان التحول المستمر و تنقلنا إلى الحداثة التي تمحو كل قالب،
الثابت إلى المتحول، الكتلة و الفراغ ،
الصلابة و اللين،
الليل و النهار،
الارض و السماء .
منحوتته محطة في الانتقال من الشكل إلى المعطى . تتحول الفكرة هنا لتصبح شكل تستقر داخل مرآت العقل التي لا تتوقف في تفسيرها للوجود، فهي حالة جديدة في مسار انبثاق العقل من مسلماته القديمة إلى مسلمات جديدة.
إنها اعادة انتاج للكون بطريقة تلامس جوهر الوجود لتتحول الماسة توضع على عنق فتاة جميلة. عند هذا الحد تقرأ جوزف حوراني و هو يحول المادة إلى الماسة توضع في عنق.
هنا النظرية الجديدة للنحت و للعمارة في مرحلة ما بعد الحداثة ، هي مرحلة لا تتوقف عند إيقاعات النحت التقليدية المتداولة بل لتصل إلى ما هو اعمق .
هنا يسقط الفرق ما بين الإيقاع و الشكل ليتحول عبر ذاته إلى شكل جديد يرسم شكل آخر لهذا العالم الذي تمتزج فيه صراعات الحروب و الآهات و الانكسارات فيصبح الشكل محطة من محطات الفلسفة التي يعول بها المتصوفون العرب مثل ابن عزي و ابن الفارض الذي كان يذهب إلى ذات الله في المعرفة التي كسبت هي من هذا العالم .
إن هذا الزمن الجديد، كما يوحي به حوراني، يحتاج إلى معرفة تنبثق وسط الغموض والفرح، وسط الازدواجيات والخوف. إنه زمن يعاد فيه التفكير بالعالم من خلال العمارة التي تجمع بين الصلابة واللين، بين الحلم والمادة، بين الظاهر والباطن.
معرض جوزيف حوراني في غاليري صالح بركات الى ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤