الأدبية: زهر عبد الرحمن عميري
لستُ أُمًا مثاليّةً …… أنا أُمٌ جيدة كفاية!
الأمومة هي أسمى وأعظم شعور يمكن أنْ تختبره أي أنثى، هو تحقيقٌ للفطرةِ الإنسانيّةِ، وعمليّة إشباع نقص لديها، ذلك النقص الذي تفرضه الأنماط الاجتماعيّة عبر التمييز الجندري.
ولطالما شغل علماء النفس دراسة هذه العلاقة بين الأم وطفلها، فوصفها فرويد (Freud) بالإنصهاريّة منذ لحظة بداية تطوّرالطفل ونموّه، واعتبر أنّ الأم والعلاقة معها هو أول عنصر مؤسس للأنا، ولسمات الشخصيّة لهذا الطفل. هي أول آخر، ولغتها هي حجر الأساس في لاوعيه،ولقد أعتبر فرويد أن الطفل يمتص مع حليب الرضاعه الحنان والحب والعقد والمخاوف و….. من الأم وهذا ما أسماه بعملية interjection.
من هذا المنطلق، لا بد لكلِ أمٍ أنْ تجعل لنفسها مساحةً آمنةً للتعبير والتنفيس الانفعالي، بُغية تحقيق التوازن النفسيّ ما يؤثر حتمًا على الصحة النفسيّة لطفلها.
أمّا وينيكوت (Winnicott) صاحب مفهوم “الأم الجيدة كفاية” فقد أكّدَ أنَّ الأم في علاقتها مع طفلها لا يُحبّذ أن تكون مثاليّة، فهي إنسان له احتياجاته، وعنده صراعاته، وأوضح أنّه يكفي أن تكون أم جيدة كفاية عبر منح نفسها وقتًا للراحة والاستمتاع، لشحن الطاقة لديها، وذلك كفيلٌ بجعلها أكثر عطاءً وتوازنًا، وهو بدوره يؤثر على تلقائيًا على الطفل، كما يهيئ هذا التوازن في العطاء لهذا الطفل لمساعدته وتأهيله لتحمل الاحباطات التي ستنتظره، والتي يمكن أن يختبرها في المستقبل.
ويوضّح يونغ (Jung) المثاليّة في “مفهوم الذات الخلّاقة” حيث وصف هذا المفهوم على أنّهُ مستوى من النضج لا تبلغه أيّ ذات إنسانيّة! بل حدّد أن أكثر الأشخاص حظًا في بلوغه، هم أولئك الأشخاص الذين سمحوا لهم والديهم بالتعرّض إلى إحباطات مقبولة، مما سهل لديهم عمليّة النضج، ولم يمارس الأهل تجاههم لا الحماية المطلقة والإهتمام المفرط، ولا الإهمال المدقع واللامبالاة! كما وصف لاكان (Lacan) الأم بالمرآة، وهي أول آخر يعكس للطفل الرغبة، وهي أوّل دال مؤثر في سلسلة المدلولات لديه…..
وبناءً على ما تم عرضه، ومن ملاحظة دور الأم ميدانيّا، يمكننا القول أنّ الأم والأمومة عمل عظيم بحد ذاته! فكيف إذا كانت أماً باحثة أو عاملة أو تحمل عبئًا آخرغير الأمومة، فهي بلا شك، أم إستثنائيّة بكل المعايير، ومميزة في جهودها. فهي الأم، والحبيبة، وربة المنزل، والمرأة الناجحة، وهذا لا يقدِرُ عليه إلّا عقل الأنثى الذي يعمل كشبكة العنكبوت.
أتوجه بمقالتي هذه إلى كل أم في ميدان العمل لا سيّما في هذه الفترة الإستثنائيّة التي نعيشها في ظلّ الأوضاع الموتورة جراء تلك الحرب الشرسة، ومن خلال معايشتي للعديد من حالات التوتر والخوف على مصير الأبناء التربويّ، وتطبيق ظاهرة التعلم عن بعد للأولاد. سامحي ذاتك ولا تشعري بالذنب كونك أخفقتي ببعض المهام. واعطي ذاتك فرصة للراحة فهذا أفضل ما يجب القيام به لشحن الطاقة من جديد.
فأنت حتما أم جيدة كفاية .. ولا حاجة لتكوني أمًا مثاليّة…
بل انت أمٌ رائعةٌ.