من “أعياد بيروت”: صوت يشبه الوطن
في واحدة من أبهى ليالي “أعياد بيروت”، اعتلت السيّدة ماجدة الرومي المسرح في حفلٍ استثنائي اختلط فيه الفنّ بالدهشة، والحنين بالكرامة، لتُعيد إلى بيروت بهاءها، وإلى جمهورها إحساسًا بأنّ الفرح ما زال ممكنًا، حتى وسط رماد الخيبات.
بدت امتدادًا لنجوم السماء، وقفت ماجدة بكامل ألقها، لا لتقدّم أغنيات فحسب، بل لتقدّم شهادة حبّ في وجه الحزن، وأداء يُلامس جوهر الانتماء. حفلتها كانت فعل إيمان بمدينة لا تموت، وصوتًا يوقظ الذاكرة من سباتها.
ماجدة، التي تشبه في حضورها أناقة الكلمة وقوّة المعنى، أعادت رسم بيروت في الوعي الجمعي لا كمدينة تتداعى، بل كعاصمة للضوء والحياة.
غنّت، فصارت الاغنية وطناً. والحلم جسرًا بين من مضى ومن بقي.
صوتها خيط يعيد وصل ما انقطع: بين اللبناني وذاته، بين الوطن وكرامته، بين الزمن وحقّه في الأمل.
في وطنٍ تثقله الأزمات وتنهشه اليوميات القاسية، بدا صوت ماجدة كفعل مقاومة ناعم، صلب، وواضح.
لم تأتِ لتغنّي للترف، بل لتغنّي للكرامة، ولتقول إنّ الغناء في زمن الوجع ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. لم تقل للحاضرين انسوا، بل قالت تذكّروا: أنتم تستحقّون الحياة، وأنتم أبناء بلدٍ لا يليق به اليأس. حفلة ماجدة الرومي لم تكن مسرحًا لعرضٍ منفرد، بل لوحةً جماعية امتزج فيها صوتها بنبض الجمهور.
لم تكن تتغنّى بنفسها، بل تتحدّث باسم الناس، تصغي إليهم بقدر ما يُصغون إليها.
صفّقوا، دمعت أعينهم، وحين ردّدوا معها أغنيات الوطن، بدا كأنّ بيروت كلّها كانت تُنشد من على الخشبة.
في “أعياد بيروت”، أثبتت مجدّدًا أنّ الفنّ الحقيقي لا يرتبط بالزمن، بل بالصدق والرسالة. محطة وجدانية، أعادت لنا الشعور بأنّ في هذه البلاد شيئًا لا يُقهر: صوت، وذاكرة، ومدينة لا تزال تعرف كيف تحلم.