قرار مجلس إدارة مهرجان وجائزة أوسكار المبدعين العرب ولجان التحكيم فيه، باختياري شخصية العام الثقافية والادبية على المستوى العربي لعام 2023 في التفاتة معنوية كان أكبر الأثر الطيب في نفسي. فلهم جميعاً كل الشكر والتقدير. أنشر أدناه فقرات من الكلمة التي ألقيتها أمس في حفل التكريم الذي أقيم في قاعة مركز الاحتفالات بمركز التدريب في الجزيرة بالزمالك- القاهرة، ووسط حضور نوعي كبير من المثقفين ورجال الأدب والفكر في مصر وبلدان عربية أخرى، وأرفقها ببعض اللقطات من الحفل.
“اسمحوا لي، في البداية، أن أحيّي جهودكم الكبيرة في خدمة الثقافة العربية من خلال هذا المهرجان المُهمّ الذي يتوجه نحو تشجيع المواهب والمبدعين في مجال الثقافة والأدب في مختلف بلداننا العربية، وأن أعبّر عن صادق امتناني لكم لاختياري شخصية العام الثقافية والأدبية على مستوى العالم العربي لعام 2023.
وكون هذا التكريم يأتي من موسسة ومهرجان مهميّن في جمهورية مصر العربية بالذات، فإن هذا يعني لي الكثير، لما لمصر وشعبها وتاريخها وثقافتها وحضارتها من مكانة عزيزة في نفوسنا جميعاً وفي تكويننا الثقافي. لا يلزم أيّ منا أن يكون مصرياً كي يحبّ مصر، وأن “تكون في خاطره”. في روح كل عربي شيء من مصر، نفرح لكل فرحٍ فيها كما يفرح أهلها، ونفخر بأي نجاح تحرزه كما يفخرون. ومصر التي أخذت من الثقافة العربية، أعطتها، بالمقابل، الكثير جداً من حضارتها وتراثها السابقين لمجيء الإسلام إليها، وفي العصر الحديث فإن مصر كانت مصهر التنوير والحداثة العربيين، وما زالت ثقافتها تختزن في ثناياها مقوّمات نهضة تنويريّة عربية جديدة، بوجه التطرف والتعصب والجهل. فتحيّة لمصر العظيمة، الغالية على القلب.
وحول تأثير مصر الثقافي والتربوي في تكويننا أود أن أشير إلى تجربني في هذا المجال، فعندما دخلتُ المدرسة الابتدائية في منتصف الستينيات الماضية، كانت مناهجنا الدراسية مصرية، وكان بعض أساتذتنا أيضاً مصريين، ومن هذه المناهج وعلى أيدي هؤلاء المعلمين وسواهم من المعلمين العرب والبحرينيين وضعنا خطواتنا الصغيرة الأولى على دروب المعرفة الطويل. وفي العام 1974، وكنت في نحو السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من عمري، أتيتُ القاهرة للدراسة الجامعية، والتحقتُ بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، حيث أنهيتُ فيها السنة الأولى، قبل أن تأخذني الحياة إلى مسارات أخرى.
أنا قادم إليكم من البحرين، وقد وجدتُ في اختياركم لشخصي المتواضع شخصيّة العام على المستوى العربي تكريماً للحركة الثقافية والأدبية والفكرية في وطني، الذي هو جزيرة صغيرة هي على الأرجح أصغر بلد عربي في المساحة، وربما أقلّها في عدد السكان، ولكنها تتميز بحيوية مجتمعها وديناميكيته وعراقة تقاليده الثقافية والحضارية المتوارثة من حضارة دلمون مروراً بالعصور المختلفة، وفي مقدّمتها عصور الحضارة العربية الإسلامية، فنحن مجتمع حيّ متفاعل مع محيطه العربي وغير العربي أيضاً، وتفخر البحرين بأسماء إبداعية من أبنائها وبناتها معروفة عربياً في دنيا الشعر والسرد والفكر والفنون، وكانت مصر، ثقافة وفكراً وحضارة، ملهمة لنا دائماً بعطاء رموزها وقاماتها الكبيرة فإليكم من البحرين كلّ التحيّات.
يحسب لهذا المهرجان والجائزة التي يُطلقها في مجالات الإبداع الأدبي المختلفة، بُعدها العربي. لقد اعتدنا القول إنّ مصر هي قلب العروبة النابض، وهو قول يلخص مشاعرنا جميعاً، وهذا أمر تزداد أهميته اليوم في ظلّ وضعنا العربي الصعب والمعقد، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وتداعياته، ومع الحروب والفتن وحال التشظي التي نجابهها في أماكن مختلفة من عالمنا العربي، وبالتأكيد فإن للثقافة دوراً كبيراً في التأكيد على المشتركات والثوابت، وشحذ الهمم للنهوض مجدداً رغم الصعاب، وتتضاعف أهمية هذا الدور المناط بالثقافة حين يكون شاملاً للخريطة العربية كاملة، على نحو ما يهدف إليه هذا المهرجان الثقافي والإبداعي المهمّ والجائزة المقترنة باسمه.
مرّ يوم أمس، الثالث والعشرون من إبريل الجاري، اليوم العالمي للقراءة وحقوق المؤلف، وجميل أن يأتي حفلنا اليوم في أجواء الاحتفاء بالقراءة والكتاب، حيث تنشأ أجيال جديدة من المبدعين في عالمنا المتغيّر، ووسط تأثيرات معرفيّة وتقنيّة جديدة لم تعرفها الأجيال الأسبق، ما يُمكنهم من اضفاء بصمتهم الجديدة في المشهد الإبداعي العربي راهناً وفي العقود الآتية، وإذ نهنىء الفائزين بجائزة أوسكار المبدعين العرب لهذا العام، ونتمنى لهم المزيد من العطاء والإبداع، فإننا نأمل بأن ياخذوا، ونأخذ نحن مثلهم أيضاً، بالنصيحة التي أجزاها اثنان من كبّار مفكري مصر وقاماتها الأدبية، أولهما عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي أخذ في لقاء تلفزيوني جمعه من نخبة أدباء مصر، على أبناء الجيل التالي لجيله أنهم يكتبون أكثر مما يقرأون داعياً إياهم إلى أن يقرأوا أكثر مما يكتبوا، لتغدو كتابتهم أعمق وأنضج، أما القامة الثانية فهو التنويري سلامة موسى، ففي مقال عنونّه بـ “شبابنا وكيف نُثقّفه” شكا من ضعف ثقافة الشباب، من خريجي المدارس والجامعات، وجهلهم لمعلومات بديهية في الجغرافيا والتاريخ وغيرها من العلوم، ملاحظاً أنّ اختيار الطالب تخصصاً بعينه في الجامعة فيصبح مهندساً أو جيولوجياً أو طبيباً لا يتيح له أن يكون مثقّفاً، أي ممتلكاً لما دعاه سلامة موسى بالفهم العام، حاثّاً الشباب على المزيد من الإطلاع والقراءة واكتساب المعرفة من ينابيعها المختلفة.
ولا شكّ أنّ هذه النصيحة تعني، بمقدار أكبر، من يلج من الشباب عالم الأدب والكتابة، ونحن على ثقة من أنّ الموهوبين الشبان في بلداننا سيأخذون بهذه النصيحة، خاصة وأننا نغبطهم بأن سبل الوصول إلى المعرفة باتت اليوم أوسع وأيسر لجيلهم.
ختاماً، أجدّد التهنئة للفائزين، وشكري لأعضاء مجلس إدارة المهرجان والجائزة، وأتمنى لكم من كل قلبي المزيد من النجاح والتوفيق في عملكم القادم، ودمتم بكل خير. والسلام عليكم.
للأسف هل يُعتبر المثقف العربي بالمثقف النصف على غرار الإنسان ،الإطار النصف، كما تطرق إليه المفكر مالك بن نبي رحمه الله من خلال ،،،مفهوم الحضارة والإنسان،،،والتي (الحضارة) لا تقوم إلا على أعمدة ثلال ،الإنسان ،الزمن والتراب،،،وفق الفكر الخلدوني،،،
أنيق التحاياَ والتقدير،،،