تحية لروح الفنان الراحل عبدالرحمن دريعي في ذكرى رحيله
(1938_2009)
عبدالوهاب بيراني
قال الفنان العالمي الراحل عمر حمدي (مالفا) في أحد حواراته الإعلامية: “قبل تخرجي من المعهد، بقليل، سكن في بيتنا بالإيجار، شابٌ في العشرينات من عمره مع زوجته، قادماً من عامودا، اسمه عبدالرحمن دريعي، كان يعزف على الناي مساءً، ويرسم في النهار، كان عبدالرحمن أول معلم لي في الرسم”
أنه من جيل الرواد الأوائل المؤسسين للفن التشكيلي في الجزيرة السورية، في بيئة لا تقيم وزناً للفن وسط نظرة دونية نتيجة للتأثيرات الدينية والأفكار الرجعية ومقولة بأن الفن لا يطعم خبزاً، رغم ذلك مارس الرسم والموسيقى، والنحت وأبدع في إنشاء الكتل الصخرية الضخمة محاكياً الكتل النحتية التي مجدت بطولة السوفييت وجيشه الأحمر، ولازالت بعض الأعمال الفنية تتربع في بعض ساحات وشوارع الحسكة ككتل نحتية فنية تحكي قصة الإنسان الكادح والمحارب الوطني، وصراعه المرير من أجل الحياة الكريمة، بالإضافة إلى النحت كان يبدع في رسم البورتريه والحقول.
أما بالنسبة للجانب الموسيقي من شخصيته الثرية، فقد ولِّع بالموسيقى منذ طفولته الباكرة، فكان ينصت بهدوء إلى الأغاني الكردية ويحاول أن يدندنها… تعرف إلى آلة الناي، أحبها لخفتها وسهولة حملها ورخص ثمنها، كان عبدالرحمن فقيراً وللفقر والحاجة رواية أخرى. نفخ بالناي أولى أنفاسه، زفر بها أنين طفولة هاربة نحو تخوم برية عارية إلا من البيادر وعيدان القصب التي نمَّت على ضفة بركة مطرية، كانت الحدود السورية_ التركية نهاية عالمه الطفولي، طالما راودته فكرة اجتياز الحدود ما بين ال “سر خط” و ال “بن خط”.. طفل يرسل صوت نايه عبر الحدود والمسافات، كانت الريح تحمل نغماته بعيداً.. تتوغل هناك نحو أقدام طوروس العظيم
برع في التعامل مع آلة الناي التي لم تفارقه إلى آخر لحظة من حياته الزاخرة بالإنجازات الفنية، وقد استحق لقب ملك الناي الكردي بجدارة، عزف وتعامل مع كثير من الفنانين الكرد والسوريين أمثال محمود عزيز وشفان برور والراحل جميل هورو وغيرهم من القامات الموسيقية العالية
علّم تلاميذه حب الفن وعشق الموسيقا وحب الوطن، كان مربياً فاضلاً علمهم الأخلاق لأنه كان يؤمن بأن العلم هو أساس الأخلاق وأنه لا علم دون أخلاق، هكذا كان الراحل عبدالرحمن دريعي في حياته والتي لم تكن إلا حياة ومأثرة عاشها بشرف، رغم ظروفه المعيشية الصعبة، والسلطات التي حاربته في لقمة عيشه، تبقى شخصيته من الشخصيات الخالدة، التي تركت بصماتها على تاريخ الفن الكردي والسوري عموماً، والذي ربما كغيره تعرضوا للنسيان أو لنقل بجرأة أكبر للإهمال والتهميش، واعتقد أن مجرد استذكار يوم رحيله ليس كافياً لرد جزء من جهوده وعبر سنوات قاسية أخذت من عمره ومن صحته ومن قوت عياله، وينبغي العمل على رفد الثقافة الوطنية الديمقراطية والمنهاج التربوي المدرسي بسير حياة عظمائه ومبدعيه ومناضليه لتنال التقدير من الأجيال القادمة، فالشعوب بمبدعيها ومناضليها وشخصياتها التاريخية، ولا تستقيم حياة الشعوب إلا مع علو هاماتها وقاماتها الإبداعية