جميل داري
الشيخ عفيف -رحمه الله- كان علمًا من أعلام عامودا في اللغة والنحو والأدب عامّة
كنت كلما كتبت نصًّا جديدًا -وأنا في المرحلة الجامعية- أهرع إليه طالبًا رأيه في ما أكتب
كنت أستفيد كثيرًا من نقده البنّاء الجارح، فهو لم يكن مضطرًّا إلى مجاملتي
ذات مرة توجّهت إلى تكيّته، وقرأت له ما يلي
إذا كانَ طولُ بقائي يشكِّلُ خوفًا عليكِ
فإنِّي سأحملُ نفسي وأرحلْ
وإنِّي سأركبُ ناقةَ قهري
وأضربِ في أفقِ حبِّي المكبَّلْ
فما كان منه إلّا أن استغرق في ضحكة طويلة.. طويلة
سألني: هل رأيت ناقة؟ قلت: رأيت صورها، وقرأت عنها
قال الناقة لفظة ليست من بيئة عامودا، ويمكن لك أنْ تغيّرها لتنجو من قهقهتي
قلت ما زحًا: هل أقول: وإنّي سأركب حمار قهري ؟ قال: لا بل قل صهوة قهري..وقتها شعرت كأنّ مطرًا م آلهة الأولمب هطل عليّ
منذ ذلك الوقت أدركت أنّ النقد البناء يسهم في بناء الشخصية الشعرية المتزنة التي يمكن لها أن تتطوّر مع الزمن
أذكر أيضًا صديقي العامودي الشاعر دحام عبدالفتاح الذي قال لي مرة وأنا أقرأ له من جديدي
“نصوصك تبدأ حصانًا، وتنتهي حمارًا”
أيْ عندك براعة الاستهلال دون مسك الختام
وأذكر أنّي كتبت قصيدة من عشرة أبيات، وفي اليوم التالي عدت لها، وتذكّرت مقولة الأستاذ دحام، فما كان منّي إلّا أنْ حذفت تسعة أبيات محتفظًا بالبيت الأول، وهو
أمرُّ بي لا أراني مرورَ أعمى بثانِ
ورأيت فيه بيت القصيد بعد أن خلّصته من الهالوك والأشواك
من هنا أقول: ليس هناك مَن هو فوق النقد إلّا إذا أخذته العزَّة بالإثم
يقول ابن المقفّع
“على العاقل أنْ يحمل مرآتين ، في واحدة ينظر إلى مساوئه، فيتخلّص منها، وفي الثانية ينظر إلى محاسن غيره، فيأخذ بها”
ترى هل فقدنا نعمة العقل، فصرنا لا نرى أبعد من أرنبة أنوفنا التي سيأكلها الدود هنيئًا مريئًا؟