د. شربل داغر
انقطعتُ، لأسباب مهنية، عن متابعة “حمّى” جائزة نوبل للآداب منذ عدة سنوات، بعد أن توقفتُ عن العمل النظامي في الصحافة العربية اليومية أو الأسبوعية
هذه السنة تابعتُها… وقد يعود الأمر لكوني -يوم إعلان اسم الفائزة أو الفائز- في البيت، لا في الجامعة
هكذا استعدتُ عادات سابقة في المتابعة : قراءة نبذات صحفية متفرقة، لاسيما الوافدة من مدينة الأكاديمية السويدية، مانحة الجائزة.
هذا ما اتبعتُه ظهر الخميس بمشاهدة مطلع نشرات الأخبار التلفزيونية في الأقنية الفرنسية، التي يناسب توقيت مقدماتها مع موعد إعلان الفائزة أو الفائز. لا القناة الأولى، ولا الثانية، ولا القناة الإخبارية الخالصة كانت مستعدة… مثلي للخبر. أمضيتُ الدقائق الأولى من دون أي إشارة في أي واحدة من هذه الأقنية حتى لقرب الإعلان المتوقع والوشيك
لم أكن متوترا في انتظار الخبر، إلا أنني كنتُ أتوقع فوز فرنسية أو فرنسي بالجائزة، بعد أن تحققتُ، في الأسماء المذكورة في تقارير الصحافة السويدية الصباحية، من ورود ثلاثة أسماء فرنسية بينها
كان علي أن انتظر دقائق بطيئة، قبل أن أقع في جريدة “الموند” الفرنسية على اسم الفائزة الفرنسية بها : آنِي إرنو
اعتدتُ على هذه التقديرات في سنوات ماضية، إذ كانت جرائد سويدية “تُسرِّب” واقعا بعض الأسماء، التي بدت اللائحة الأخيرة قبل إجراء التصويت النهائي. وهو ما اختبرتُه عند فوز نجيب محفوظ، إذ لم يُذكر، في تلك السنة، اسمه، بل جرى الكلام عن كاتب عربي (فظن مريدو أدونيس وغيرهم انه الفائز… الأكيد)
الفائزة الجديدة ليست مجهولة تماما في الثقافة العربية، بل تُرجمت لها روايات، من دون أن تبلغ صيت غيرها. هذا ما يَحصل ويتكرر سنة تلو سنة، فيما لا يتساءل الشاكون من… “ظلم” الأكاديمية السويدية عن انفتاح الثقافة العربية (بناشرِيها ومترجمِيها وقرائها) على أدباء العالم المتميزِين في ثقافاتهم، والمترجَمين إلى أكثر من لغة في العالم
أما من يتابع حمّى الترشيحات العربية، والمنافحِين عنها، فيتحقق من أنها تترعرع في دوائر الثقافة السلطوية وأجهزتها ومداراتها، أو في مناخات “الشلل” والمريدِين في أحسن الأحوال
فأسماء المرشحِين تصدر عن “مؤسسات” و”هيئات” و”اتحادات” تُعشعش فيها البيروقراطية والحظوة والبلادة الثقافية. وهي هيئات ترشيح لا تتساءل حتى ما إذا كان مرشحها مترجما إلى السويدية أو إلى الإنكليزية
لا أبلغ من صورةٍ عن حال الأدب العربي الحالية، أكثر من متابعة المقالات والتقديرات والترشيحات قبل إعلان الفوز وبعده. إذ تتكشف عن “قوقعة” فكرية ضحلة بالطبع، وتوهمات مرضية، لا سيما مؤامراتية، وصورة نرجسية، بل “زعامية”، عن الأديب
كان لهذه السنة أن تفوز بها كاتبة، ذات مواقف سياسية منخرطة في أقصى اليسار الفرنسي، على أن لسانها الفردي، الحميمي، ينغرس في هموم الزمن الحاضر : يمكن لصبايا إيران وغيرهن في العالم أن يفرحوا بانتصارها، الذي أطلقَ كلمات ولكمات في هواء الحرية
أما أنا فكنت أتمنى فوز سلمان رشدي بها
هذه الحمى لن تلبث أن تتراجع، ويتم نسيان نوبل، في انتظار السنة القادمة
(جريدة “نداء الوطن”، بيروت، 7-10-2022)