
في منتصف القرن الخامس عشر كانت بيروت قبلة الشعوب الشرقية تختال في مينائها السفن العديدة والمراكب الحربية تحت حماية أبراج عظيمة قامت على الرصيف من الحجر الأصمّ، وفي أسواقها الضيّقة وطرقها الملتوية تزدحم الأقدام، فمن أصحاب العمائم أو الكفاف الحريرية ومن لابسي البرانس البيض أو المضرّبات ، ومن مدجّج بالأسلحة المنزّل فيها من الذهب والفضة والنحاس أشكال النقوش. وكم من تاجر غنيّ وأمير خطير يعثر بحمّال وفقير. فيها التقت جميع الأمم واللغات وتعارضت الألوان والأصوات من زنجي السودان إلى الشركسي الأبيض، ومن الروميّ النزق إلى البدويّ الذي لا تهزّه ريح، ومن اليهودي المتلوّي إلى الإسباني المتغطرس، وقد اختلط بهم تجار البندقية وجنوة وبيزة. [هنري لامنس. المشرق عدد1]
في مستهلّ القرن التاسع عشركان الزائر الغربي تؤثر فيه المشاهد المحلية الغريبة. فكان يرى الرجال بسراويلهم الواسعة أو غنابيزهم (جمع غنبار أو خنباز) المقلّمة، والنساء، سواء كن نصرنيات أو مسلمات يخرجن إلى الأسواق محجبات… وكان الغربي يرى الناس في هذا الجزء من العالم يعيشون في عالم حالم يسير ببطء. ولكن ما أن انصرم القرن حتى أصبح الغريب الزائر يشعر في بيروت أنه ليس غريباً في بلاد غريبة. وقد أسهب القس الأمريكي فان لينيب Henry J. Van-Lennep المولود في إزمير سنة 1815 في وصف الحياة الاجتماعية في بيروت وسائر لبنان في كتابه “Bible Lands: Their Modern Customs and Manners” المطبوع في نيويورك سنة 1875.
يتبع…
__________
الصورة: تاجر بيروتي باللباس التقليدي سنة 1873
عن Richard Chahine, Orientalistes au Liban
.