
قديماً كانت النساء يختلف لباسهنّ، بين “الإزار الأبيض الناصع أو الملاءة الحرير”، أو المناديل الرقيقة الإسلامبولية على الوجوه، وفي الأرجل الجزم الإفرنجية بالنسبة إلى المسلمات، و”الفساتين الواسعة من الشيت والصوف الإفرنجي والحرير الملون”، مع الطرح الرقيقة أو المناديل، بالنسبة لنساء النصارى اللواتي يظهرن سافرات الوجوه…”.
لا شك أن الأوامر الخاصة بارتياد النساء الأسواق قديماً كان جائراً بحق النساء والرجال على حد سواء. ومع مرور الوقت تبدلت الأحوال وصارت النساء وما يرتدينه من لباس وتنوع الأزياء جزءاً أساسياً من النسيج الإجتماعي في المرافق العامة وخاصة أسواق المدينة. وقد قال الشاعر إلياس طُعْمَة الملقب بـ «أبي الفضل الوليد» في سوق الطويلة ببيروت:
أمَرَرتَ في سوقٍ من الأسواقِ .. ورأيتَ فيهِ تصادُمَ العشّاقِ
فحَسبتَ أنّ الأرضَ تحتك زُلزِلت .. من وَقعِ أحداقٍ على أحداق
إنّ النساءَ تنوَّعَت أشكالُها .. وثيابُها لِتَنوُّعِ الأذواق
فتَبرُّجٌ وتخَضُّبٌ وتفَتُّنٌ .. في الكشفِ عن سوقٍ وعن أعناق
فهناكَ نادِ على الجمالِ فإنهُ .. سِلعٌ، وقُل: يا قاسمَ الأرزاق
بقيت الأزياء الشعبية، في بلاد الشام بخطوطها العامة، صورة لتعامل الإنسان مع المحيط الطبيعي والتركيب الاجتماعي، وفلسفته في الحياة من جهة، ونتيجة لتركة تاريخية طويلة الأمد، فكان من تلك الأزياء ما يعود إلى أصول عربية قديمة مثل الكنعانية الآرامية والآشورية، أو غير عربية مثل الفارسية، واليونانية والبيزنطية والعربية الإسلامية. بالإضافة إلى مؤثرات الهنود وبعض القوميات الأخرى التي جاءت إلى بلاد الشام بأزيائها فتركت تأثيرها في هذا المجال. ومما يسترعي انتباه الباحث تعدد أزياء المدن آنئذ أكثر من الريف، لأن المدن كانت مقرّاً للفاتحين والحاكمين والتجار والغرباء عبر تاريخها. وبقي اختلاط الوافدين بالريف أقل مما حصل في المدن. وإذا ما استقرت قبائل وأقوام في الريف، فقد انعزلت عن بعضها بحدود معيّنة، وحافظت على أزيائها على مدى عصور طويلة. ناهيك عن تأثير البيئة والمناخ في رسم خطوط الأزياء وألوانها ونوع أقمشتها.” [نعيسة. مجتمع مدينة دمشق، ص 571-572]
يتبع..
______
الصورة المرفقة: سيدة بيروتية حوالي سنة 1859
للمصور الفرنسي Henri Sauvaire
مجموعة خاصة