جورج غنام
أتدركين ماذا يعني لبنانيا يمقت السياسة والحديث عنها وسماع أخبارها ، يقف مشدوها بالنظر إليكِ مبتسما وأنتِ تتحدثين عن
كوارث بلده ؟
أتدركين كم يود ولو مرة واحدة مكان أولئك الحمقى الذين يظهرون
مرتدين عقالاً او ربطة عنق ليحادثَكِ على الهواء مباشرة من أجل
أن يخبركِ فقط كم تبدين جميلة ؟
سأحدثكِ عن عينيكِ كونهما تحملانِ حرباً وسلاماً وموتاً وحياةً
عزيزتي
ملامحك فاتنة جدا … لكن اللون “الأسود” عليكِ جميل جدا جدا ،
شامتُكِ تتوسط عضدكِ الأيسر تثبت ذلك … ولا تدع مجالا للشك
في انه من الظلم ان يُستخدم هذا اللون في العزاءات … انتِ لا
تحتاجين للأدلَّةِ وشاهدي العيان والمراسلين لتثبيت صدق ما
تقولين
اظهري في خبر عاجل وقولي فيه إن القدس تحررت ، والسودان
أصبحت آمنة ، وسوريا أضحت عامرة ، وتوقفت الحروب في اليمن
تحدثي عن بايدن وأنه قدم استقالته ، وأن الحكومات العربية قامت
بمقاطعة أميركا وإيران
قولي تلك الأشياء وسأصدق… معكِ فقط كل الأنباء قابلة للتصديق
وكل المآسي التي تمرُّ على شفتيكِ تكون جميلة
وهكذا ردَّت
قرأتُ رسالتكَ فابتسمتُ مرة ، وحزنتُ مرّتين … ابتسمتُ بفطرة
الأنثى التي يسرُّها سماعُ كلمات الغزل والثناء وإن أخفت ذلك
وحزنتُ مرتين ، مرة عليك ، والأخرى عليَّ … إنها لعنة الجمال
اللعنة التي تقتل الجميع. تصيب الرجال بمرض العشق … وتصيب
النساء بمرض الغيرة والحسد … وتصيب الجميلة بمرض الوحدة
والاكتئاب
يتسابق الجميع إليها ، لكنهم يظلون في ميدان السباق ولا يصل
إليها أحد . وإن وصل يتعس من تعاستها ، يحب امرأة هي في قلوب
الجميع حتى يشعر أنها لم تعد ملكه الخاص فقد صارت للجميع
الجميلات هنّ أتعس الفتيات … يكسرن قلوب البسطاء الذين
تعلقوا بهنّ ، ويكسر قلوبَهنّ الأثرياء الذين يشتروهنّ كتحفة منزلية
عفوا ، نحن المذيعات لسنا جميلات ، وإن امتلكنا بعض الجمال
إنه فن الخدعة ، جمال محشو ، ملامح مركبة ، وإغراء متعمَّد
تحزن إحدانا لسقوط رموشها الصناعية أكثر من سقوط الضحايا
وتخشى الأخطاء الفنية اكثر مما تخشون أخطاء القصف
ما نحن إلا دمى بشرية ، أو آلة إعلامية تقرأُ الأخبار السيئة والجميلة
بنفس الشعور والملامح . فلا فرق بين افتتاح مقهى ليلي وسقوط
عشرات الضحايا من أطفالكم ليلا
عفوا
لم أسألكَ عن اخباركَ لأنني أعرفها جيدا …أعرف أنها أخبار سيئة كأخبار البلد الذي تعيش فيه … ثمة لصوص عندكم ، يظهرون على
حساب المساكين ، يعيشون في أرقى الفلل ويتكلمون كذباً بألسنة
الكادحين
أحاديثهم ركيكة ، وآراؤهم متناقضة ، ومعلوماتهم متضاربة
خولوا لأنفسهم الحديث باسمكم جشعا في مائتي دولار بعد كل
حديث
إننا نعاني منهم أكثر مما تعانون … وربما نلعنهم أكثر مما تلعنون
لكنني أبارك لهذا البلد التعيس بك وبالشعراء المغمورين فيه
وأعزيه في هذه العصابة التي شوهت صورتكم للجميع
دعنا منهم الآن
أعرف انكم تحسدون رجالنا على جمالنا. لكنك لم تعرف أننا أيضا
نحسد فتياتكم عليكم ، وعلى مشاعركم المفعمة بهذا الإحساس
المرهف ، نحسدهن على كلماتكم الأخاذة التي تلامس قلب الأنثى
لكن فتياتكم ربما لا يدركن اهميتكم كما ندرك نحن، ربما تحفظا
والأرجح غباء … كان يمكن لجارتك في الحيّ ان تُطل من الشرفة
لتخطف قلبك ورسائلك… كان يمكن لزميلتك في الجامعة او
الوظيفة ان تقترب منك طمعا بما عندك من الحب والكلمات
كان يمكن لصديقتك ان تعترض طريقك وتتعثر بسؤالك عن محل
بيع الهدايا لترافقها إليه
أسفي على الورود التي تموت في قلوبكم أمام اعينهنَّ
أسفي على الكلمات التي تشيح في ألسنتكم أمام صمتهنّ
أسفي على قلوبكم حين تنطفئ أمام فتيات يرغبن في الزواج
أكثر من الحب
إن سطرا واحدا في رسالتك يسعدني أكثر من رحلة إلى سان
فرنسيسكو والتقاط صورة مع بايدن أمام حديقة البيت الأبيض
وان كلمة حب دافئة تغنيني عن التزلج في شوارع موسكو
وان وردة صادقة أفضل لديّ من التنزه في حدائق الأندلس
لم أعد أتجول الآن بين القارات والدول كما كنت أفعل … صرت
أتجول بين الكلمات والحروف برسالتك
صار يهيمن تحرير رسائلك إليّ أكثر من تحرير الأوطان
أخيرا
لا تبخل برسالة أخرى، إنها ليست مجرد رسالة كما تظن … بل
تذكرة ثمينة أعبر فيها إلى المدن والشواطئ التي أحبها قلبي
ولا يمنحني السفر إليها غيركم أنتم معشر الشعراء
GG