في ليل مظلم وثقيل بسوداننا الحبيب تخلت (الراء) عن اخر (دمار) وتركته (دما) احمر قانٕ حين اقتحمت ارض (الحب) وتوسطتها فصارت (الحرب) ..
فما احوجنا الان لإعادة الترتب البسيط كي تعود الحياة لروعتها .. في هذه (الحرب) لا املك سلاحاً سوي هذا (الحبر) الذي اكتب به عن (الحب والحرب) و اقتحام الراء لحصون (الحب)
الحرب تلخيص فادح لخلل بسيط في الترتيب.. ثلاثة حروف (حاء و باء و راء)، لو اصطفت على نحو مختلف و (تغيير) بسيط لفتحت أبواباً للرحمة بدل الدم، و للسعة بدل الضيق، وللبداية بدل النهاية…
الحروف لا تُذنب، إنما يخطئ من يضعها في الأماكن الخطأ فالـ(حاء) قد تكون حرارة الحياة، والـ (باء) بداية و بناء والـ( راء) رجاء و رحمة ولكن حين نرتبها ترتيباً أعوج تصبح (حرباً)… كلمة قصيرة، لكنها تكسر أعماراً…
ومجرد أن نعيد ترتيب هذه الحروف نفسها يتحول سوادها إلى زرقة المواساة في كلمة (بحر)… أو إلى نور المعرفة في (حبر)… أو إلى أمل المكاسب في (ربح)… أو إلى انكشاف الغشاوات في (برح) بمعنى زال وذهب… فالمفردات مواعين المعاني دعونا نزيين هذه المواعين لتحمل رُقي المعاني ..
كل شيء إذن يبدأ بعملية صغيرة جداً هي الترتيب و(تغيير) الاوضاع….
الإنسان لا يحتاج لقوة خارقة ليدفع عن نفسه شراً لكنه يحتاج إلى عقل يعيد ترتيب و(تغيير) ما أمامه تماماً كما يفعل الكاتب حين يبدل حرفاً فيتغير المعنى أو كما تفعل الطبيعة حين تغير اتجاه الريح فتفدي قرية كاملة من العطش …
وهكذا أيضاً يمكن إعادة كتابة (الحرب) بعدة طرق فازاحة (الراء) من هذا (الوسط) تخلق تغييراً كبيراً وتحول الـ(حرب) الي (حب) لو أردنا… وايضاً ترتيب اماكن (الحروف) يحول (الحروب) الي عوالم (ارحب)…
فكما ندير مفتاحاً صغيراً ليفتح باباً ثقيلاً يمكن لحركة ذهنية بسيطة إعادة ترتيب المفاهيم أن تغيّر مستقبل بلاد كاملة…
الناس في السودان كثيراً ما يعانون من فوضى في ترتيب الأولويات يضعون (الانفعال) قبل (العقل) و(القبيلة) قبل (الوطن) و (الغضب) قبل (الحوار) …..
ولو أن (الحبر) سبق السلاح، و(الدفتر) سبق (بندقية الجهل) لكان المشهد مختلفاً.
ولكن المشكلة أن كثيرين لا يعرفون (الحبر) الذي يصنع (السلام) حبر التخطيط، حبر الاعتراف بالأخطاء، حبر الاتفاق قبل الاختناق، حبر الدولة لا المليشيا، حبر المستقبل لا الماضي.
نحن نحتاج لـ(حبر) يكتب القوانين بدلاً من عشوائية (البنادق)
و حبر يرسم طرق التعليم بدلاً من دروب النزوح والجروح
و حبر يُوقع (المصالحات) بدلاً من (قوائم القتلى).
هذا (الحبر) هو علامة (الترتيب) الحق… ترتيب (العقل) قبل (العضل) و(القول) قبل (القتال) والإنسان قبل (الجغرافيا)
فكل شيء في الحياة يخضع للترتيب و(التغيير) إذا اختل ترتيب البيت عمت الفوضى، و إذا اختل ترتيب الوقت غرقنا في التأجيل و التسويف، و إذا اختل ترتيب الشعوب أصبحت الحرية آخر ما تصل إليه، و إذا اختل ترتيب السلطة صار السلاح أفصح من الدستور…
وهذا بالضبط ما حدث في السودان (الوطن الواحد) اختلطت الحروف فخرجت كلمة (حرب) بعد ان اقتحمت الراء وسط (حب) و لو أعدنا ترتيبها لتحولت إلى (بحر) يلم أبناءه بدل أن يشردهم،
أو (حِبر) يكتب عهد سلام جديد، أو (ربح) يعود على الجميع لا على فئة مسلحة،
أو (برَح) بمعنى انكشف وذهب… لعل الحرب تبرحنا كما تبرح الشمس الظلام ويضئ الكون..
إن التغيير العظيم يبدأ بعمل صغير جداً… مجرد (ترتيب)
ترتيب للحروف، للبيوت، للأنظمة، للحقوق، للوعي
فما دامت حروف (الحرب) نفسها قادرة على أن تكون (بحراً و رِبحاً و حِبراً و براحاً …..) فلماذا لا نعيد ترتيب أنفسنا و (تغييرها) لنصبح أرحب، وأوسع، وأبقى؟؟؟؟
هكذا فقط و بعملية ذهنية بسيطة يتحول الـ(احتراب) إلى (ترحـاب) و بذات المادة يكون الخير و الشر و (النوايا) هي التي تحكم كيفية البناء..
واخيراً عزيزي القارئ من المؤكد ان خروج (الراء) من (المشهد) ضروري لإكتمال البناء لانها تمثل اول حروف (الرعب) واخر حرف في (الدمار) وبهذه (الراء) و إقتحامها تحول (الحـــب) الي (الحـــرب) في بلادنا الحبيبة…

محمد طلب
16/11/2025
mtalab437@gmail.com