سورية في الزمن الجميل: فسيفساء الأرواح والقلوب

الكاتب مروان ناصح
في قلب الشرق، حيث يلتقي الأزلي بالسرمدي، كانت سورية تتفتح كزهرة لا تعرف الذبول.
أرضا تعانقت فيها المآذن مع الأجراس،
وارتفعت الصلوات كأطيار مهاجرة تبحث عن سماء واحدة، سماءٍ تتسع لتراتيل الجميع.
-فسيفساء الأديان… وواحة التعايش:
لم تكن سورية مجرد تراب وبيوت، بل كتابًا مفتوحًا بثلاثة فصول سماوية: الإسلام، المسيحية، واليهودية، فصولٌ لا تتناحر، بل تُكمل بعضها كما تُكمل الألوان لوحة فنان عاشق.
المعابد والكنائس والمساجد كانت كالأصابع في يد واحدة، تختلف في الشكل، لكنها تلتقي في راحة كف المحبة.
-دولة التعددية… احترام الخصوصيات:
في زمنها الجميل، ارتدت الدولة ثوب الحكمة، فمنحت كل طائفة حقها، وصانت لكل دين قدسيته، وأقامت جسورًا من الاعتراف والاحترام كأن الوطن يهمس لأبنائه:
“أنتم نغمة واحدة في سيمفونيتي، فلا تشذّوا عن لحنها”.
-الشعب السوري… مدرسة المحبة والتعايش:
في الأزقة القديمة، كان الأطفال يلعبون تحت ظلال النوافذ المزخرفة، بينما الأمهات يتبادلن الخبز والدعوات، وفي القرى، كانت الحقول تعرف وقع خطوات فلاحين مختلفي العقيدة، لكنْ متشابهين في عَرق الجبين. هكذا تحولت الحياة اليومية إلى صلاة مشتركة، إلى مدرسة تُعلّم الدرس الأعمق:
أن القلب لا يعرف هوية سوى المحبة.
-تبادل التهاني… جسر الروح إلى الروح:
لم تكن الأعياد محطات عابرة، بل جسورًا من نور، يمتدّ فيها صوت التهنئة كخيط ذهب يربط البيوت ببعضها. كان العيد الإسلامي يُطرق بابه في سمع الجار المسيحي، ويشرق الميلاد في نافذة البيت المسلم، فتضحك الطفولة وتزهر البسمة، ويُعاد رسم وعد الوحدة في كل مصافحة.
-رغم المحن… ثبات الروح السورية:
اجتاحت العواصف هذه الأرض مرارًا، لكن جذعها بقي منتصبًا، محمولًا على جذور من تآلف وصلابة. كانت النكسات تمرّ كغيوم عابرة، فيما الروح السورية تزرع قوس قزح جديدًا، بعد كل مطر دموع، لتقول للعالم:
“الوحدة ليست شعارًا، بل دمًا يسري في العروق”.
-مقارنة مع الحاضر:
اليوم، ورغم جراحها، ستظل سورية تُضيء ذاكرة الأجيال بصورة زمنٍ لم يغب، زمنٍ كانت فيه التعددية تاجًا، وكانت القلوب أكبر من الخلافات.
إن استدعاء ذلك المشهد ليس هروبًا من الحاضر، بل نافذة أمل مفتوحة نحو مستقبل سيزهر من جديد.
-خاتمة:
في الزمن الجميل، كانت سورية قصيدةً تتغنّى بها الأديان، وأيقونةً ترسمها قلوب متآلفة، ونجمةً تُنير دروب الإنسانية في عتمة التاريخ. ولأن الشعلة لا تنطفئ في أرواح الكبار، فإن فسيفساء سورية ستبقى، تتألق جمالًا، وتُعلّم الأجيال أن التنوع سرّ البقاء، وأن المحبة وحدها تكتب على الحجر ما تعجز العواصف عن محوه.