وارد بدر السلام
مرّرت الفتاة العشرينية وردة بيضاء على أنفها وشفتيها الورديتين، كانت قد قطفتها من حديقة الجامعة في مدخلها الرئيسي. وظلت تدوّرها بأصابعها الناعمة وتتنشق عطرها الطري المبلل بندى الصباح. وبقي موبايلها مركوناً في حضنها
كان الشاب الذي يكبرها بسنة واحدة جالساً الى جوارها. يحاول أن يلمس وردة الفتاة. يمد يده متردداً، فتدير الفتاة وجهها – بدلال- لتمنع يده من لمس وردتها الندية. فتطبعها على خدها من الجهة الأخرى، وتدير له عينين شيطانيتين وابتسامة ماكرة. ثم تعيدها متفتحة الى أنفها الصغير وشفتيها الورديتين
ظلال كثيرة تتناوب عليهما وهما جالسان على مصطبة خشبية محاطة بالشجيرات الناعمة. متباعدين بالرغم من محاولات الفتى أن يقرّب جسده بذريعة لمس الوردة. لكنها كانت منتبهة الى حركاته المحدودة. بدا بأنه يتوسل الى لمسها. وكان ينظر الى أصابعها الناعمة وهي تمسك عنق الوردة
أمعنت الفتاة بشمّها. وكان شهيق العطر يجتاحه. بل مضغت إحدى أوراقها اللينة. قطفتها بلسانها الصغير ودفعتها الى داخل فمها متلذذة وهي تلوكها كعلكة يتلاقفها لسانها وأسنانها المصفوفة بعناية
أخرج موبايله الصغير من جيب سترته، وتشجّع قائلاً ليفتح حديثاً ظنه مناسباً : إنها فكرة أن أصورك وأنت تأكلين الوردة
رفعت أمامه سبابتها. ولم تنطق بشيء. فأعاد الشاب موبايله الى جيب سترته، متمعناً في وجهها الصباحي المشرق. فيما كانت اصابع الفتاة تتلاعب بوردتها. تمررها بين أنفها وفمها، وأنفاسها تتصاعد مع العطر الذي تشمه، كما لو أنها تخزنه في رئتيها
قال الفتى شيئاً. لكنها لم تعلق. وكانت الطالبات يتخاطفن عليهما بالظلال السريعة. حاملاتٍ أزهاراً ملونة، وأغصانَ آس قصيرة وكتباً محشورة على صدورهنّ اليافعة. كان صوته يرتعش قليلاً. فاضطر أن يدنو منها بحرج كما لو أن أحداً سيجلس ويشغل الفراغ الصغير بينهما. طالباً أن يلمس وردتها المقطوفة. لكنها وضعت يدها الأخرى حاجزاً بينهما كأنها تحذّره : لا تقترب. فيما كان لسانها الصغير يقطف ورقة ناعمة أخرى ويدفعها الى داخل فمها الصغير. ثم ورقة أخرى دستها بين شفتيها ، فخرج نصفها من بين شفتيها كجناح فراشة
نظر الشاب الى ساعته على مضض
نظرت الى ساعتها ذات السوار الخيطي الأخضر. وكانت شفتاها تلتقطان أكثر من ورقة ناعمة. وفمها يلوك العطر الأبيض
أنت تعذّبينها
لم تقل الفتاة العشرينية شيئاً. بل كانت تنظر الى نصف الوردة المأكولة. ولاح لها أن الوقت المتبقي يكفي لالتهام بقية الوريقات المرفرفة بين أنفاسها القريبة
هل تشعرين بلذة؟
التهمت بعض وريقات النصف الثاني. ومضغت علكتها الناعمة. وكان العطر الأبيض يفوح من شفتيها الورديتين. ولم تبق غير ورقتين صغيرتين متقابلتين من جانبيها. تقفان بصعوبة على الحامل المقوس الصغير للوردة المقطوفة، مثل أذنين متباعدتين. لا تسمع إحداهما الأخرى
24-9-2022
غرفة 19
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران