“الزمن الجميل”… هل كان جميلاً حقًا؟ (14)
الكاتب الرسمي… حين تصبح الكلمة وظيفة
(الموهبة الفقيرة تحت رحمة الديوان)
في “الزمن الجميل”، لم تكن الثقافة تُصاغ في المقاهي أو الورشات أو المختبرات الإبداعية، بل تُصاغ في مكاتب حزبية، أو في الطابق العلوي من الوزارات المعنية،
أو على هوامش تقارير “موافقة النشر”.
وكانت المواهب الحقيقية ـ ويا للسخرية ـ لا تأتي من الطبقة المرتاحة، بل من الفقراء، من أبناء الأرياف، من المثقفين الذين عاشوا على الحدّ: بين الحلم والخبز.
– الكاتب لا يبحث عن سلطة… بل عن معاش:
لم يكن “الكاتب الرسمي” في كثير من الأحيان شخصًا انتهازيًا بطبعه، بل كان شابًا موهوبًا…جرّب أن يعيش على الكتابة فوجد الجوع، فقدّم طلبًا لاتحاد الكتّاب، أو انضمّ إلى إحدى النقابات الثقافية، أو راسل صحيفة حزبية. وكانت الشروط واضحة:
“اكتب معنا… كما نريد.”
– الكرسي لا يعضّ… لكنه يُمسك بالرقبة:
الكاتب الذي يقبل اللعبة يُمنح بطاقة، ويُكلف بإدارة ندوة هنا، وكتابة مقال تمجيدي هناك، ويُستدعى لمهرجان في اللاذقية أو تدمر أو حلب، ثم تُدفع له مكافأة شهرية،
ويُقال له: “أنت مثقف الوطن.”
لكن المقابل؟
أن تنسى الوطن الحقيقي، وتخدم “الوطن” الرسمي.
– النص الواحد… بصيَغ متعددة:
تبدأ مسيرة الكاتب الرسمي بتكرار الجمل ذاتها: “بقيادة السيد الرئيس”…”في ظل النهج القومي الاشتراكي…” “الثقافة حامية الهوية…”
حتى يُصبح قادرًا على إعادة كتابة الخطاب ذاته بخمسة أساليب، دون أن يغيّر حرفًا من المعنى.
– الموهبة تختنق… أو تُباع:
كثير من الكتّاب الحقيقيين انسحبوا بصمت، تركوا الأضواء الزائفة، وكتبوا لأنفسهم، أو في المنفى. أما الآخرون…فقد قرّروا أن يواصلوا، لكن تحت سقف منخفض، فجعلوا القصة رمزية، والقصيدة تمجيدية، والحوار المسرحي نشرة أخبار.
– خاتمة:
في “الزمن الجميل”، لم يكن الكاتب الرسمي دائمًا خائنًا، بل كثيرًا ما كان خائفًا… أو جائعًا… أو منهكًا. وحين يكتب، لا يفكر بما يكتبه، بل يفكر فيما لن يُخصم من مكافأته.
وكانت الكلمة، بدل أن تُقال لتُحرّر، تُقال كي لا يُقال شيء.
