شادية الأتاسي
وفي حين كنت ارتشف القهوة المنكهة بالهيل في قلق
كانت المرأة الخمسينية تقول، في ابتسامة منكسرة، حاولت فيها أن تكون مساحة الرضى مراوغة ما أمكن
ـ هذه ضُرّتي
تغير المشهد، لم يعد بريئا، ولم تعد المرأة الخمسينية مزينة بالرضى. تكشف عن مشهد أكثر تعقيداً لما حسبته بداية، فقد البيت الجميل سحره، في اللحظة التي استحوذ عليّ شعور، يعد زائرة نزقة مثلي بالكثير من الإثارة. يمكنني أن أضع له عنوان مغوي
المرأة والرجل الصياد
إذن هذه الزينة الصباحية، والفل، والكحل، والحناء، والخلخال، لم تكن كلها إلا مجاز المرأةالخمسينية ، حيلها الأنثوية الماكرة، للدفاع عن فقدان مكانتها في قلب رجلها، أمام غزو من نوع آخر، غزو لم تعد تملك ما تجابهه، أضاعته وهي تقدم فروض الطاعة والولاء، والزمن يمرّ، والرجل صياد ماكر، تواق لتذوق الطعم الأشهى. امرأة جديدة، صبية وشهية، يوشيها بالذهب، وتوشي كهولته بالدفء والإثارة
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
كيف هو هذا الرجل؟
اشتعل خيالي الروائي. تمخض عن مشهد مثير، رجل ستيني، ملتهب الحواس، ذكوري الإحساس، يعود متعبا في آخر النهار، فتنزوي المرأة الخمسينية بعيداً، ويخلو الرجل إلى صبيته. الجو مؤات للغرام، ياسمين فواح، وروائح مسكرة، وألوان متمازجة، وكركرة النافورة، ترقص له الصبية وتتمايل تحت ضوء القمر، ويتمايل هو منتشياً بتخيلات محمومة، يجأر بصوت أجش يطالب بالمزيد، فتكشف له عن صدر عاري، وتسلب لبه غمازة الخد الأسيل، ورنة الخلخال في الساق الطرية
لكن ماذا عنها هي الصبية؟
ذلك الإذعان الجميل يقتلها، والحنين صعب الاحتمال، والمغامرة بعيدة وصعبة، لكن القلب يهفو إلى ذاك الوسيم، وإذا كانت قد رضخت للعنة الفراق، لا يعني أن سيطرة نداء الحلم قد انزاحت، ففي لحظات اليأس الأكثر قتامة، تكتسب أحلام اليقظة أهمية متزايدة، ذاك الرجل المتأجج بنشوة لا تشاركه إياها، إلا إذا استحضرت الآخر، عليه أن يختفي، كيف؟ ليس مهما، المهم أن يرحل، يموت؟ لِمَ لا؟ قد يحدث هذا في ليلة مقمرة كتلك الليلة
المرأة الأخرى في غرفتها، ترى وتسمع، تشرب نخب امرأة وحيدة، يناديها الفراغ، وترهقها رغبة في السقوط، تنهكها تخيلات آثمة. يستيقظ وحشها الغاضب من سكونه الذي طال، تتأتى لها كل الخسائر والإحباطات والعذابات التي مرّت عليها، هي المجردة من القوة الآن . لا، لن يسحبني ثانية إلى ذاك القبو المظلم، سأتحرر! كيف؟ سأقتله، أو سأقتلها تلك الصبية الغازية، أو كلاهما معاً، لم لا؟
آه يا لتلك الحكاية
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
أنهيت فنجان القهوة، والمرأتان ترقبانني بفضول، لابد أن أفكاري ارتسمت على وجهي، هل كانت أفكاراً مجنونة؟ أم كانت تجسيدا مطلقا لرفض قوانين القوة والضعف؟
أثارتني الفلة الحمراء في شعر المرأة الخمسينية، مكر المرأة الأنثوي، واصرارها على البقاء، حتى لو كان طفل الحب داخلها قد مات
استفزني الخلخال المغنج في قدم الصبية، رمز الأسر الذي يلبس لبوس الإثارة المفتعلة، لرجل تعيش معه، وفي خيالها آخر
هذا البيت المستكين تحت دفء مزعوم، أردت أن ابتدع له حكاية، تنفض عنه هذه الاستكانة، أردت أن أشهر ثورتي ورفضي لثالوث اللعبة الأشهر والأقدم، المرأة المستكينة والرجل الصياد والجريمة
انتهت زيارتي للبيت الدمشقي، مهزومة بطيف المرأتين الضرتين، هزيمة بكبرياء، لا أجمل من أن تكون مهزوما بكبرياء، هذه مفارقة. لكنها انتصاري الجميل
امتد أمامي فضاء رحب، فيه وعد وفيه تواطىء. عبق عطر الكلمة الأولى من الرواية
هل عليّ أن أعترف أن في هذا، بعض المكر؟ لكنه مكر جميل ومباح أيضا
نشرت في القدس العربي