د. حسن مدن لصحيفة الخليج
يشفع لي استخدامي العامية عنواناً لمقالي هذا أن مفكراً كبيراً بقامة محمود أمين العالم هو من اختاره عنواناً لمقال قديم له، وعلى خلاف ما يوحي به العنوان، فإن الغاية هنا ليست الدعوة لنبذ الفلسفة أو الاستغناء عنها أو ازدراءها، وإنما العكس تماماً، أي الدعوة لنبذ المدلول السلبي لعبارة «بلاش فلسفة»، كما تقال في اللهجة المصرية، أو «حاج تتفلسف علينا» كما يقال في لهجات أهل الشام، وربما نقول نحن، هنا في الخليج: «بسك فلسفة» أو «فكنا من هالفلسفة»، وهي تقال عادة لمن يميل في أحاديثه إلى الفذلكة في القول، أو اللف والدوران على المعنى بعبارات منمقة، تبدو في الظاهر جميلة، ولكن طريقة تقديمها لا تقدّم محتوى يعتدّ به، ولا حتى يفهم المراد منه
لا بأس أن نقول لأحدهم «كفاك فلسفة»، واذهب إلى المعنى مباشرة، ونحن ندرك المسافة في الدلالات بين الأقوال في أحاديثنا بالعامية، وبينها حين ترد في سياقٍ بالفصحى، ولكن أن توظف هذه العبارة في إطار الدعوة لتغييب الفلسفة من حياتنا، منهجاً في التفكير والرؤية، وأداة من أدوات التحليل والفهم، فإن الأمر مختلف،
نريد الحديث عن ضرورتها كمقرر دراسي لا غنى عنه في جامعاتنا ومدارسنا، والعبرة ليست في إدخال الفلسفة كمقرر دراسي، على أهمية ذلك، وإنما في المنهج والأسلوب والرؤية الحاكمة لتدريسها للطلبة والتلاميذ
لأن مثل هذه الدعوة هي المسؤولة عما وصفه محمود العالم ب«الهشاشة النظرية في الفكر العربي»
والهشّ، لغةً، هو ما يقبل الكسر بقوّة، وكل شيء فيه رخاوة ولين، والهشاشة عكس الصلابة، ونقول عن أحدهم إنه صلب الرأي، أي شديده، وهناك مقولة إن كل ما هو صلب قابل للسيلان، لكنها مقولة أقرب إلى العلم، موضوعنا هنا ينطلق من الحاجة إلى الفلسفة، حيث انطلق محمود العالم في مقاله المشار إليه من ضرورة تفنيد مقولة «بلاش فلسفة»، ليرى أن لكل منا، حتى لو تظاهر بازدراء الفلسفة، فلسفته في الحياة سواء كان واعياً لذلك أو غير واعٍ، وأننا بحاجة للمراجعة المستمرة لما ننطلق منه من فكر، ونحن نعيش حياتنا بكافة تفاصيلها، أو حسب تعبيره «أن نقف موقفاً نقدياً واعياً من هذه الفلسفة التي نتنفسها كل يوم، لننتقل إلى مرحلة الوعي والوضوح والنضج»
صحيح أن الرجل يتحدث عن الفلسفة كرؤية ومنهج، لكننا هنا نريد الحديث عن ضرورتها كمقرر دراسي لا غنى عنه في جامعاتنا ومدارسنا، والعبرة ليست في إدخال الفلسفة كمقرر دراسي، على أهمية ذلك، وإنما في المنهج والأسلوب والرؤية الحاكمة لتدريسها للطلبة والتلاميذ. ليس الهدف هو القول إن الفلسفة مادة من مواد المناهج، وإنما المراد هو تدريب الطلبة على التفكير بمنهج نقدي