د. حسن مدن ل صحيفة الخليج
حين عرض فيلم «بياع الخواتم» اللبناني الذي يعدّ من أوائل الأفلام الغنائية العربية، من بطولة فيروز ونصري شمس الدين، في مصر تُرجم إلى اللغة العربية الفصحى، لأنه كان من الصعب على المشاهد المصري معرفة تفاصيل الحوارات الدائرة بالعامية اللبنانية
والفيلم الذي قدّم في منتصف ستينات القرن الماضي من إخراج يوسف شاهين، الذي حلّ محل مخرج فرنسي اسمه برنار فاريل، على ما يروي الناقد السينمائي إبراهيم العريس، الذي قال إن المشروع كان مكتملاً لأن «بيّاع الخواتم» كان في الأصل مسرحية استعراضية لفيروز والرحابنة قدّمت على الخشبات في عدة مواسم، ومع ذلك فإن شاهين نجح في تحويل فيلم «غير شاهيني» إلى فيلم «شاهيني» حسب وصف العريس
المعلومة عن ترجمة الفيلم إلى الفصحى عند عرضه في مصر أوردها نجيب محفوظ في حواراته مع رجاء النقّاش، في معرض حديثه عن أهمية اللغة العربية الفصحى التي قال إنه منذ أن بدأ الكتابة وهو حريص على استعمالها، والبعد قدر الإمكان عن العامية، مضيفاً أن «لدينا عدة لهجات من العامية؛ فنجد لأهل الصعيد لهجة ولأهل الوجه البحري لهجة، وداخل البلد الواحد قد لا يفهم سكانه بعضهم بعضاً بسبب اختلاف اللهجات المحلية»
والحديث عن ترجمة «بيّاع الخواتم» إلى الفصحى وعن حرص نجيب محفوظ على أن يكتب بها وينأى بنفسه ما أمكن عن العامية، أتى في سياق تحية وفاء وجهها محفوظ للأستاذ الذي مكّنه من الفصحى، واسمه الشيخ عجاج، أستاذ اللغة العربية بمدرسة فؤاد الأول الثانوية، وهو من خريجي دار العلوم
ويعزو محفوظ تعلّقه بجمال اللغة وما في التراث العربي من ثراء وروعة إلى هذا الرجل بالذات، الذي لفت نظره إلى ذلك، فغالباً ما كان يستشهد بأبيات شعرية أغلبها من شعر الغزل، وبحوادث ليست في المقرر الدراسي، وحين كان محفوظ يسأله عن مصادرها يدّله على عيون التراث العربي
هذا كله ورد في كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» الذي وضعه رجاء النقاش، حيث نجح في إقناع محفوظ بأن يحكي له مذكراته، بعد أن لمس رفض الأخير الشديد لأن يتولى هو بنفسه كتابة سيرته الذاتية
وما أوردناه على لسان محفوظ هنا جاء في الفصل الذي وضع له النقاش عنوان «هؤلاء علموني» في إشارة إلى الأساتذة الذين تعلم منهم نجيب محفوظ
لا بأس من الإشارة هنا إلى أن عبارة «هؤلاء علموني» هي نفسها عنوان لكتاب مهم للتنويري الكبير سلامة موسى، وعلى خلاف محفوظ في حديثه مع النقاش، اختار موسى أن يتحدث عن كبار الفلاسفة والكتّاب الذين ساهمت قراءته لأعمالهم في تكوينه الفكري