مع هذا الصمت المُنبعث من نفسي ورائحة أكواب الشاي المُعتَّق بالحكايات، بباب المقهي الواسع وعيون ضاقت بها الحياة، في الركن المثلثة أضلاعه ثلاثة رجال انعقد على وجوههم التقاعد اقترب الأول من صديقه بنظرات عتاب ورسائل اشتد لها الحوار لكننى أنتظر أن يجدد لي النادل فنجاني الفارغ من الكلمات.
كنت أنوي أن أعتزل الشعر وأكتفي بقراءة أشعار يوسف الخال وهو يمدّ يده إلى الربّ ويُبارك كسرات الخبز المتبقّي من طاولة الفقر، شاهدت الفقدان وأصبحت الطاولة خاوية إلا من أثر أرواح الثلاثة هنا حيث الجنون المُعتاد من عقلي جاءت إليّ روح الأول تخبرني أنه كان ينوي الانتحار بعد فقدانه شريكته التى اعتاد على علتها كل ليلة وأصبحت جدران قلبه خاوية إلّا من صورتها، والثاني كان على متن الرحيل إلى دار المُسنّين بعد هجرة ابنه الوحيد وتركه للوحدة المثقلة بالأوهام. أيها الجنون، لماذا لا تخبرني عن الثالث؟ عن هذا الوجه المُصفرّ والعينين اللتين تمنحان الذعر للمارة.
بعد لحظات من جموح خيالي أُفيق على أصوات الصراخ من جميع أبواب المقهى وأصوات الحسرات والبكاء من أفواه النساء؛ إنه حادث انقلاب سيارة وفقدان رجلين مُسنَّين حياتهما والثالث اختفى وسط الزحام
عائدا الى المقهى وللزاوية الثلاثية ..