قصة قصيرة / ياسر عبد الرحمن
كأس الليمون بهذا الشكل السينمائي، لا تستطيع مقاومته. الليمون بالثلاجة والنعناع موجود بعلبة برف المطبخ، انما المشكلة في الكأس … فالكؤوس والاطقم الصينية مخزونة “بالنيش” ولا تخرج الا للضيوف، للضيوف فقط. أما نحن اهل البيت نشرب في أكواب باهتة، سيئة الصنع، تقول زوجتي (عشان لما تتكسر مانزعلش عليها) وفعلا تتكسر هذه الأكواب الرديئة تباعا، وفعلا لا نغضب أو نحزن عليها، وما يحزنني فعلا هو حبى لعصير الليمون داخل هذا الكأس الشفاف بشريحة الليمون المعلقة على حافته، تعطى شعورا رائعا بالسعادة والانتعاش، ولكن الكؤوس كلها مخزونة “بالنيش” كأنها مقتنيات بأحد المتاحف، وممنوع الاقتراب منها، أو لمسها نهائيا، فقط للضيوف، فحين يأتينا ضيف، اشرب معه بما يقدم لنا فى أكواب فاخرة، وكؤوس رائعة التكوين، ينظر الضيف في وجهي ليرى نظرة الامتنان والسعادة فى عيني، وأنا ارتشف رشفة ثم انظر الى الكأس بتمعن، بينما اقلبه بيدي لأتأمل لمعانه وروعته.. يرى فى عينى هذه النظرة الطفولية المفعمة بالبهجة والفرح، أرمق نظرته المستغرقة إلى وجهي فأبادر بكلمة ترحيب فيرد بابتسامة ملفوفة بعلامة تعجب، واليوم لا يوجد ضيوف، وارغب فى شرب عصير الليمون، ولا يكتمل طقس الإنتعاش إلا بهذا الكأس المخزون “بالنيش”، فقررت فتح “النيش” وإحضار الكأس، وفتح باب “النيش” ينتج عنه صوتا تعرفه زوجتي جيدا فتأتى فورا مسرعة كحارسة المتحف، لتطمئن على الأطقم الصينية والكؤوس والأكواب الفاخرة والملونة، رمقتني بنظرة تعجب، – ماذا تفعل؟ فأجبتها – عصير ليمون، تحولت ملامحها الى مزيج من الغضب والذهول: – ومال الليمون بالنيش؟ فأجبتها بهدوووء – سوف أخذ أحد الكؤوس، فردد بغضب: – وإذا اتكسّر؟؟ فقولت بنفس الهدوء: – يبقى قدره يتكسّر.. ردت بتلعثم وانفعال: – انت ….انت فاهم انت ….انت بتعمل ايه ؟؟ .. كنت قد أخذت الكأس الشفاف المستورد الكبيرتظهر تجزيعات على جوانبه رائعه الجمال.. واتجهت إلى المطبخ لإعداد الليمون. قامت بإغلاق النيش برفق وحذر وأسرعت خلفى إلى المطبخ تحاول إقناعي بالعدول عن هذه الفكرة: – (رجّع الكاس واشرب في اى كوباية) فاستدرت خرجت عن هدوئي وصرخت فيها: – سوف أشرب الليمون في هذا الكأس.. صوتى المرتفع صدمها وجعلها تدرك مدى إصراري.. كانه انفجار .. يحمل صدى سنوات من الصبر والتحمل .. فتراجعت من المطبخ ببطء ومازالت ترمقنى بنظرة تتهمنى بالإستهتاروالجنون .. بدأت فى اعداد العصير بهذا الشكل السنيمائى الذى طالما أحببته .. وجلست على مقعد خشبى فى شرفة المنزل أتأمل الطريق وأرتشف بهدوء من الرغوة البيضاء التي تعلو كأس العصير المشبعة بمذاق شريحة الليمون، ممزوج بقطع الثلج الشفافة اللامعة، شعور غريب بالفرحة والانتصار فهو اليوم الأول منذ ربع قرن الذي أستخدم فيه كأسا من المخزونين “بالنيش” بدون ضيوف، ورغم أنف هذه المرأة، التى عاشت تحرس مقتنيات هذا المتحف.