شروق مجدي
تجلس حنين أمام الطاولة ، في يدها ريشة ألوانها وورقة، ترسم صورا تحبها، صورا من وحي خيالها لابنتها التي تنتظرها .تخرج ألبوم صورها، تتأمل صور طفولتها، تنظر إلى صوره؛ أهذا هو الملاك السابح في أحلامه الذي أحبته؟! تريد أن تمزق صوره، تتذكر نصائح أبيها، وأختها ، ومعلمة مادة الرياضيات التي كانت تحبها، ومعلم الرسم؛ نصحوها جميعا بعدم ترك الدراسة، وبالنظر إلى المستقبل الباهر الذي ينتظرها في الفنون التشكيلية، كل هذا يخفف عنها الحياة التي تعانيها.
حنين علاء يوسف؛ وُلِدت بالإسكندرية، يعمل والدها مديرًا لإحدى شركات مستحضرات التجميل، توفيت والدتها ورفض والدها أن يتزوج؛ قرر أن يكرس حياته لتربية بنتيه حنين ومرام.
حنين مجتهدة، ذكية، موهوبة، محبوبة، جذبت موهبتها الفذة في الرسم الزميلات والزملاء لطلب صداقتها، ومن بينهم هذا الفتى الذي سرعان ما تحولت صداقتهم إلى حب، ولكن من طرف واحد، ويتحول هو إلى وهم.
لم يكن لها سيرة إلا هو، ترسم نفسها بالفستان الأبيض ، ترسم بيتًا جميلا، تعرض كل هذه الصور على أبيها ومرام، وتحكي لهما عن حلمه في أن يكوم طبيبا للعيون.
تتعجب مرام من تصرفاتها، فتتناقش مع والدها، يضحك قائلا:” جنية سأوقعها” .
جلس أفراد الأسرة يومًا يتسامرون، تحدثوا في موضوعات شتّى، ابتسم الأب ونظر إلى حنين قائلا: ماذا عن أبو خليل اليوم؟
ابتسمت حنين قائلة: تقصد إبراهيم؟ وبدأت تحكي بحماس عمَا يفعلان. تراقب مرام ابتسامتها،ووجهها، ولمعان عينيها، فتغمزها قائلة: قلبك يقول كلاما واضحا.
ــ كلام؟ أي كلام؟
ــ كل شيء واضح
ــ لم أفهم شيئا، ماذا تقصدين؟
ــ عيشي دورا صغيرا على الحب
سأل الأب : ماذا يعني الحب؟ نبدأ بحنين
أجابت حنين: الحب هو مشاعر جميلة رقيقة يشعر بها شخص تجاه شخص آخر.
مرام: انكشفتِ يا حنين، اعترفي من تحبين أيتها الفتاة؟
تمثل حنين أنها تبكي: يا سيادة القاضي، قلبي صغير بريء، لا يقوى على هذا، وفي النهاية يتسع لكل الناس.
مرام: وسي إبراهيم؟
حنين: صديق
ــ صديق؟
ــ نعم صديق، أنا صغيرة على هذا الكلام
ــ هذا الكلام عن الحب يقوله شخص تجاوز العشرين وغرق في بحر الحب.
ــ أنا أتحدث في العام.
تتنهد مرام قائلة: تصبحين على خبرات، تصبح على خير يا بابا.
في يوم عيد ميلاد حنين دعت كل أصدقائها وعلى رأسهم إبراهيم، قدمته لعلاء ومرام.
أخبره علاء أن ابنته تحكي فيه قصائد وروايات، وتقول إنه يحلم أن يكون طبيبا للعيون؛ ابتسم إبراهيم وحكى عن نفسه أكثر راسمًا له صورة البطل الطموح، وأخبره أنه يتيم الأب. عبر له علاء عن سعادته بمقابلته، كما عبر لابنته عن إعجابه به.
مرام:هذا هو إبراهيم؟
حنين: نعم
مران: لطيف ..لطيف
يتطور الأمر كثيرا، أخذا يتراسلان وقتا طويلا من الليل، كلما سألها والدها تكذب قائلة إنها تراجع بعض الدروس مع مجموعة من أصحابها، لكن ينكشف كل شيء برسوب حنين.قرر علاء أخذ الهاتف منها، أخذت تبكي ووعدته ألا تستخدمه إلا للدراسة ومعرفة الأنشطة المدرسية، لكنها لم تفِ بالوعد.
كانت توهم أباها أنها تذاكر، ورسبت للمرة الثانية، فسحب منها الهاتف وققر أن تكون دروسها الخصوصية في المنزل.
قررت حنين أن تبقى حبيسة المنزل، وتعتزل الناس والدراسة، رغم تدخل كل من تحبهم.
تمر السنون، ويشق كل واحد من أصدقائها وصديقاتها طريقه، التحق إبراهيم بكلية الطب بجامعة خاصة، وبقي على تواصله بحنين، وأخبرها يومًا أنه ووالدته يريدان مقابلة والدها. وافق والدها، أخبره إبراهيم أنه يريد خطبة ابنته، فطلب علاء فرصة للتفكير ومشاورة ابنته، وحنين تدعو الله أن يوافق.
حاول أبوها إقناعها بأسباب رفضه، وحذرتها مرام من المتاعب التي ستواجهها إذا دخلت وسط تلك العائلة، وأخبرتها أنها لم تسترح له ولا لأمه، لكن حنين تمسكت به. تمت خطبتها، ورغم المشاكل تزوجت به، وفوجئت بسوء معاملته وإهانته لها واحتقار أمه، تحملت إلى أن علمت بخبر حملها، تخيلت أنه سيفرح، وفرحته ستغيره.
ازدادت أنانيته بعد أن أصبح أبًا، بدأت محاولاته لاستقطاب ابنته وتشويه صورة أمها في عينها، ويجعلها تسخر منها، ويسخر هو أيضا منها أمام الغرباء والزائرين من أصحابه، فتقلده ابنته. انفجرت حنين وطلبت الطلاق، فطلقها، ورفض أن يعطيها ابنتها، وتنهرها أمه قائلة: دعيها ترفع اسم أبيها، فخورة أنها ابنة الطبيب إبراهيم السيد مرسي، لم تستطع أن تقدم لها شيئا في الحياة.
ذات يوم، أخذ إبراهيم ابنته لأحد الأماكن العامة، قدم إليها زميلة له عزباء تدعى غدير؛ أخذت تلعب معها، فأحبتها لقا وأصبحتا صديقتين، تسأل عنها كل يوم، ويتصل بها إبراهيم كي تحدثها. اصطحبها يوما وقابلا غدير؛ التي أعطتها بعض الحلوى، ابتسم إبراهيم قائلا للقا: ما رأيكِ أن تعيش معنا طنط غدير؟
لقا : كيف؟
ــ نتزوج
ــ كما كنت متزوجا ماما؟
صمت قليلا ثم قال : نعم.
فرحت البنت، ولكنها فوجئت بمعاملة باردة قاسية، كانت غدير أثناء سفر إبراهيم تتركها وحدها وتخبرها أنها ذاهبة لأخيها الواقع في مشكلة.
يتكرر الأمر، فأخبرت لقا والدها، فنظر إليها ببرود قائلا: سوف أتحدث معها.
في المرة الثانية أخبرته بما سمعته في المكالمة؛ فضربها.بكت كثيرا، وطلبت العودة إلى أمها.
عادت العصفورة إلى عشها؛ فلقيت حبا وحنانا واحتواءً، شجعت لقا أمها على استكمال دراستها، إلى أن التحقت حنين بكلية الفنون الجميلة، وكانت أول لوحة تشارك بها في معرض الفنون التشكيلية إهداء إلى ابنتها لقا.
قصة جميلة، حنين الباحثة عن الحنان، تقابل بالقسوة من الجميع، ثم أخيرا يتحقق الحلم وتحلو الحياة على يد ابنتها.
سعدت بالقراءة.
تحياتي والتقدير