تبسّم أيّوب عند وصوله الى مكان اقامته. انّ اختراعه ذاك قادرٌ على قلب العالم رأسًا على عقب! ولكن مرّة أخرى, كان يرغب في الحفاظ على ذاك السّرّ لنفسه إذ أنّه لم يرد لأيّ إنسيّ أن يكتشف ما عثر عليه بذاته.
“كانوا ينعتونني بالمجنون طيلة عمري ولعقودٍ من الزّمن. سيندمون على أقوالهم اللّعينة تلك…” قال أيّوب في ذاته بينما كان يحدّق في المكان, كان كوخه صغيرًا جدًّا بالكاد يسع أسرةً من خمسة أفراد. ونتيجةً لعدم رغبته في العمل في المزرعة جنبًا إلى جنب مع والده وإخوته, تفاقم فقره فالتهمه وعائلته كوحشٍ مفترسٍ ينقضّ على فريسه بكلّ عنف فيقطّعها إربًا. وبدلًا من العمل في المزرعة, ادّعى بأنّ اختراعاته ستحدث ثورة في العالم يومًا ما. كان الفقر كالفيروس في ذلك الوقت, حيث كانت الحكومات تسرق أموال النّاس ما جعل الأناس المحظوظين هم اللصوص والمزارعين إذ كانوا الوحيدين القادرين على إطعام عائلاتهم.
ابتسم أيّوب وهو يطرق الباب. أسرعت زوجته آية وفتحت له بشوق الأم لرؤية ابنها. لم يكن ذلك بدافع الاشتياق بل كان مجرّد تفاؤل اذ أنّها كانت متوقعة مفاجأة في الرزق. وعندما لاحظت الابتسامة على وجه زوجها، زاد حماسها وسرعان ما خفضت نظرها إلى يديه متوقعة أن ترى خبزًا أو حتى بعض الخضار. تحول وجهها بسرعة من الإثارة إلى خيبة الأمل عندما وجدت يديه فارغتين.
لاحظ أيّوب أن مشاعر آية قد تحوّلت فجأة. عندما نظر إليها، لاحظ مدى تغيّرها منذ أن التقى بها لأول مرة. فأصبحت هزيله ونحيله جداً. قامت بقص شعرها الأشقر الجميل وبيعه فقط حتى تتمكن من إطعام أطفالها الصغار. رُسمت دوائر سوداء تحت عينيها الزرقاء التي تشابه المحيط. كان يعلم أن هذا كان خطأه لكنه لم يهتم كثيرًا. قد حصل على وظيفة جانبية في العام السابق لإعالة أسرته لكنه استخدم كل المال لشراء السجائر والمخدرات. ولم يكن لدى زوجه أدنى فكرة عن ذلك واعتقدت بصدق أنه لم يتقاضى أجرًا كافيًا. ووجّه نظره إلى أطفاله الذين كانوا في سبات عميق. فالنّوم كان منفذهم الوحيد من الجوع. وقد كان لدى جميع أطفاله عظام مرئية من الجوع اذ أنّهم اضطروا أن يخوضوا معركة شرسة مع الجوع في عمر الزهور, عمر البراءة, عمر السعادة… وأما عن منزلهم, فلم يكن لديهم أي أسرّة أو أثاث اذ كانوا ينامون على القش. وكان غير مطلي داخلياً وخارجياً، مما جعل الطوب الرمادي الذي بني عليه “دهانًا” لمنزلهم.
استقبلته زوجه وعادت إلى الزّاوية للحياكة. لم تكن آية عاشقةً للحياكة, بل كانت -في طفولتها- مرغمةً على تعلّمها مع أخواتها. ومع ذلك, لجأت آية إلى الحياكة لجني المال بعد سقوط عائلتها في هاوية الفقر وبؤرة البأس. للأسف, لم يكن معظم الناس قادرين على الدفع لها. نتيجةً لغول الفقر، ركّز الناس على إنفاق أموالهم القليلة على الطعام والغذاء فقط. وعلى الرغم من ذلك، كانت آية تعقد بعض الصفقات الجيدة مع بعض سكان القرية الذين كانوا يقدمون لها أحيانًا الطعام مقابل الملابس التي تحيكها
ذهب أيّوب إلى النوم في وقت مبكر من تلك الليلة. وقد أثار ذلك فضول زوجه، إذ اعتادت عليه “العمل” في أوقات لاحقة من الليل. تجاهلت الأمر واستمرت في حياكتها حتى نامت. استيقظ أيّوب في منتصف الليل فجأة وبدون سبب معروف. فتذكّر اكتشافه واندفع بسرعة إلى الخارج. أشعل شمعة وسحب الحقيبة التي كان يعلقها على حزامه. عندما فتح تلك الحقيبة، أضاءت 8 جواهر متوهجة المكان. ابتسم ابتسامة عريضة أثناء سحب كل جوهرة على حدة. قبل ساعات قليلة، كان أيّوب يدرس مجموعة من الحجارة التي وجدها خارج منزله. بدأت الحجارة فجأة تنير بقوة لدرجة أنه اضطر إلى الابتعاد عنها بضع خطوات. وبعد تلك الحادثة المفاجئة، حمل احدى الجواهر, و اذ به يشعر بقوة لا تصدق وفقد الوعي لبضع ساعات. ثم أدرك ما هو السلاح المذهل الذي كانت عليه هذه الأحجار الكريمة.
شعر أيّوب بالقوّة. بسبب اكتشافه ذاك, اعتقد أنّه بإمكانه حكم العالم بأسره, فسيطرت عليه أفكار الجشع والطّمع, فما كانت أفكاره سوى عن مقدار الأموال التي سيكسبها. فتح عينيه بهدوء, وإذ به يصعق بما رأى. أصبح شاحبًا حين رأى نفسه في المنزل مجدّدًا. نظر إلى الأسفل -وياليته لم يفعل- وإذ به يرى آية على الأرض ميّتة. قد غطّت وجهها علامات مخالب وكان صدرها به ثقبٌ كبير. التفت إلى أبنائه فكانوا -كذلك- في عداد الموتى فقد قطّعت أوصالهم. لكن أين اختفى أكبرهم؟ كانت عائلته ضحيّة لمخلوقٍ وحشيّ بلا رحمة. تأكّد أن ذاك المخلوق لم يكن بإنسيّ, فقد كان ذاك الموت عنيفًا لدرجة أنّ لا إنسان قادر على أن يقوم بتلك الجريمة البشعة.
“لنا…” ضحك أيّوب بينما كانت الدموع تنهمر على خديه. “خاصتنا…” قال بينما بدأ يضحك بشكل جنوني أثناء محاولته الوصول إلى السكين الموجود في جيبه والذي استخدمه للحماية. بعد دقائق معدودات, كانت الأسرة بأكملها ميتة.
أم كانوا كذلك؟
“الأسرة بأكملها؟”