إخلاص فرنسيس
كتبت لي الشجرة قائلة انا اذكر وأتذكر، المكان قبيل تتدخل الانسان الذي خرب الدورة الدموية للطبيعة من حولي، تسمعني تبتسم وتتنهد، وتتساءل، الشجرة تكتب نعم، وتتكلم وتعزف أيضا، وتخفي بين اوراقها وفي طيات ظلها السر الذي ربط نياط قلوب العاشقين وختم الميثاق الحافل بالقبلات وترانيم الحرية والمستقبل،
لم يكن غريباً علي أن أقرأ ما خطته الأشجار، حيث ربيت في ظلها وترعرعت بجوارها، افترشت اغصانها وفراخ العصافير، وأصغيت لعزف الريح يردد صدى قصص الرعاة والسنونو المهاجرة، هي علاقة مقدسة بين المخلوقات في البرية التي لم يشغل بالها أي شيء في الحياة سوى بندقية الصياد والموت الذي قض أعشاشها و فرصة الحياة، بعثرت الريش الملون وصبغته بلون البارود، تنهدت الشجرة واعترضت برقة على كلامي، لم تنته هنا حياتهم، بل تناثرت في الفضاء أطيافهم ألواناً ، ورسمت العلامة الفارقة التي نراها عند هطول المطر، قوس قزح يراه الفلاح فيطمئن، لموسم الزرع، والمزارع والراعي مبشراً بقدوم الربيع، عند اشتداد العاصفة، تطل تلك الألوان الممزوجة بالحزن فتهدأ القلوب، الفناء آت والموت أيضا، ولكن الحب أقوى وأبقى.
عصافير الدوري، التي سكنت حوائطنا واستكانت للشقوق واتخذتها منازل لها، لملمت عن أسطح بيوتنا القروية حبات القمح المسلوق، وأصبحت جزء لا يتجزأ من الاسرة الممتدة، وجوقة الترانيم التي تخفف زقزقتها وطأة صعوبة الحياة، وأزيز الموت والرصاص، آه، تنهد الغصن عاتباً عليّ، لماذا تؤرق روحك تلك الأفكار؟ داعب الريح أغصان الشجر فتعالت الاه، وسقطت براءة الطفولة، حين طردنا بإيدينا سكان الحوائط،
انبرت زهرة بيضاء، قائلة: أما أنا فابحث عن ظل للسكن، إثر انقطاع الآمل عني، فالرحيل القسري اصبح الخيار، فوضوية انا هكذا ستجدونني، أو مكومة على التراب البني، التراب …التراب…قال الصوت الذي افتقده كل ثانية، فيتدفق شلال الذكريات من عيني، على بساط الأرض السمراء، حيث رفعت الزهرة البيضاء عيناها، تتحسس أوراقها الخضراء، تفتح ذراعيها للهواء والمطر، وكأنها بذلك تفتح دفتر سجل جديد لعهد جديد لوصفة من أرقى أنواع العطور، ملوحة لإترابها الزهرات، ترتعش تنحني صوب الأرض،فتفتح اختامها لتهديها جسدها، وللفراشة أكسيرها، فتضيء بألوانها الحريرية دمعة رقراقة، ترسم حول النور دهشة الدمعة،وفي اواخر الصيف، عند الغروب تسلم للبلابل التي تنتظر على أغصان التين النهار، وتطلق من حنجرتها أغاني الأرض، لتمد المدى بأوكسجين الخلود.