د. حسن مدن
في عام 1899 أصدر قاسم أمين كتابه الشهير «تحرير المرأة»، ليكون أول كتاب في الثقافة العربية الحديثة يدعو إلى تحرير المرأة، مطالباً بتعليمها، ومنتقداً رجال الدين المتشددين في نظرتهم الدونية لها، ومؤكداً أن القرآن لم يعلِّم هذا الاستعباد، قائلاً «إن المرأة هي العمود الفقري لشعب قوي، وبالتالي يجب تغيير أدوارها في المجتمع بشكل جذري لتحسين أوضاع الأمة المصرية»، ودعّم أقواله وآراءه بآيات قرانية، مؤكداً ضرورة الاعتماد على المنطق والتدقيق في البحث وعدم التمسك الأعمى بالعادات
أسست هذه المقاربة الشجاعة لقضية المرأة، رغم ما أثارته ضد أمين من زوبعة متوقعة، إلى فتح عهد جديد في حياة المرأة في مصر، فطلبت الناشطة النسوية الشهيرة هدى شعراوي من مجلس إدارة الجامعة الوليدة في مصر في العام التالي على إنشائها، السماح لامرأة بالتدريس لمجموعة من النساء في إحدى قاعات الجامعة فاستجاب المجلس للطلب
رجل تنويري آخر من معدن قاسم أمين، من تونس هذه المرة، ولد في السنة نفسها التي أصدر فيها الأخير كتابه «تحرير المرأة»، هو الطاهر الحداد الذي تلقى تعليمه في الكتّاب أولاً ثم في جامع الزيتونة، وكان أحد مريدي الشيخ التنويري عبد العزيز الثعالبي وصديقاً للشاعر أبو القاسم الشابي. وعلى خطى قاسم أمين سيؤلف طاهر الحداد كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» (1930)، الداعي إلى تحرير المرأة لتكون رفيقةَ درب الرجل في بناء الأمة، والتمتع بالحقوق الأساسية، كالتعليم والصحة والشغل والانتخاب
وبالنظر للفارق الزمني بين صدور كتابي أمين والحداد، فإن الأخير ذهب إلى مدى أبعد من الأول، وساق في دفاعه عن حقوق المرأة حججاً قوية استقاها من ثقافته الدينية التي تلقاها في الزيتونة. وجوبه الطاهر الحداد بعواصف من النقد ونال الكثير من الأذى بسبب ما أتى به في كتابه، ولكن هذا هو شأن أي فكرة جديدة جريئة، ولنا أن نعزو بعض أسباب ما نالته المرأة في تونس من حقوق، التي تملك أفضل مدونة عربية للأحوال الشخصية على الإطلاق، إلى هذا الوعي المبكر الذي كان هذا الرجل الشجاع عنواناً بارزاً له
نستعيد هذه الصفحات المشرقات من تاريخنا رداً على أقوال من يوصف بالداعية مبروك عطية الذي أثار موجة من الغضب في مصر، لأنه بدل أن يدين مقتل الطالبة المصرية في المنصورة، حمّل الضحية المسؤولية لأنها لم تكن محجبة. لنر أين كنا وأين أصبحنا. لن نجد أبلغ من قول رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر في البلاغ الذي رفعته: «هذه الكلمات لا تصدر عن رجل دين.. ما قيل هو تحقير للمرأة وتحريض على العنف والقتل ضدها»