لمعت عيناها، وارتسمت بسمة على شفتيها معلنةً انتصارها القوي.
لم تكن سيلين تتوقع أن تنقلب حياتها رأسا على عقب، بل أنّها حتّى لم تكن تعلم أنّ ما تعيشه كان كابوسًا محدقًا يغرقها يوما بعد يوم في دوامة صراع كبيرة لامتناهية.
كانت فتاة حالمة مليئة بالحياة.
رسمت أحلامها في دفء البيت الذي كبرت فيه، لكن سنين العمر أجبرتها على إغلاق باب غرفتها مخفيةً تلك الأحلام، لتتركها هناك في قريتها الصغيرة، وتغادر إلى مصيرها الأبديّ.
وسط ازدحام الحياة نسيت أحلامها وباتت تراها سرابًا، تبتسم كلّما تذكّرت خططتها الصغيرة، فتلك الذكريات كانت الأمل الذي تمسّكت به كي تقوى على الحياة.
تلك الحياة التي لم تتوقّع أن تكون لها، ولا أن تعيشها يومًا.
كم كنتِ صغيرة، هادئة، فرحة، عيونك ساحرة،
لكنك اليوم شاحبة ساكنة، الصمت يسود روحك
أنت تفقدين بهجة الحياة يومًا بعد يوم، كوني قويّة فالحياة لا تحبّ الضعفاء.
بتلك الكلمات واست نفسها طوال سنين عاشتها وسط عالمٍ أتعبها، لا بل أطفأها.
مع فجر يومٍ جديد، فتحت ستائر عرفتها، ورأت شمس الصباح قد أطلّت. عَلِمَتْ حينها، أنّ كلّ انطفاءةً يتبعها نورٌ راقٍ، ولا مجال للحزن بعد الآن.
أومأت بيدها مناديةً كلبها قائلةً، هيّا بِنا، إنّ الحياة بانتظارنا، ولن تنتظرنا إنْ لبثنا في سباتِنا.
سيلين صبيّةٌ، حاربت بكلّ عنفوانٍ مصيرها، كانت صبيّة تعشق الورد، أرسلتها أمّها للعيش مع عمّتها في السويد، خوفًا عليها من وَطنٍ يسرق أحلام أبنائه.
غادرت سيلين حزينةً وكأنّها تشعر أنّها تغادر إلى مقبرة الحياة.
شعور دائمٌ بالحزن لفّ حياتها، حين علِمَت بوفاة أمّها حين وطأت قدامها تلك الأرض الغريبة.
إلى أيّ مكانٍ ذهبت، فكيف تبحثُ عن وطنٍ بعد أن كانت أمّها بمثابة كلّ الأوطان لها.
كان هذا حزنها الثاني.
وبعد شهور في غربةٍ باردةٍ، دخل عليها ذلك الوحش مُحاوِلًا اغتصابها، غير مبالٍ أنّها في سنّ بناته..
وبدأت رحلةَ عذابها منذ ذلك الحين.
قَتَلَتْهُ دِفاعًا عن شَرَفِها، ولولا كاميرات المراقبة المزروعةِ في الغرفة، لما صدّقها أحد.
اتّصلت بالشرطة والدماءُ تملأُ الغرفة، أنا قتلته صاحت بأعلى صوتها!
أنهيتُ عذابي بيدي!!!!
أدْخِلَتْ إلى المستشفى ومن ثمّ إلى دار الرّعاية للتعافي.
وبعد وقت من الزّمن، خرجت وعادت إلى عمّتها، سامحيني لمْ أستطع أن أبعده عنّي إلا بالقتل.
لا تحزني صغيرتي واستها العمّة، لقد أنقذتِنا جميعًا، فقد كان وحْشًا، دمّرَ حياتنا طوال سنين. ابتسمت وانتهى خوفها.
بطلةٌ أنا، أنقذتُ عائلةً بأكملها.
اتخذت سيلين منزلًا جديدًا لها، حبست نفسها أشهر، استعادت خلالها توازنها النّفسي والجسدي.
وبقيت على اتصالٍ بالشرطيّ الوسيم الذي بقي إلى جانبها خلال فترة التعافي.
وفي صبيحة يومٍ جميل، وبعد فتحها ستائر غرفتها، رفعت شعرها، غسلت وجهها وخرجت مع كلبها، والتقت للمرة الأولى بموعدٍ غرامي مع صديقها الشّرطي.
– ستدوم حياتنا بالسّعادة.
– أتعدني بذلك؟
– أعدك بكلّ عواطفي وجوارحي، وأعاهدك أمام الله، لن تحزني بعد اليوم.
– وأنا أعاهدك باسم خالق الحبّ أن أحمي قلبكَ الدافئ، فأنت حُلْمِيَ الأخير.