سوزان جوهري
كل فرد يتلقى خبر الموت وفق فطرته، وما اكتسبه من عادات ، وتقاليد يبدأ بممارستها بشكل لا واعي فور سماعه ، او عيشه للحظات الفراق
تلّقيه للفاجعة يكون اقوى مما يتخيلون او أقل ، المهم ان يكون تلقائي بلا ادعاء ، ولا كبت للمشاعر ، لأن ردات الفعل اللاحقة لكبتها ستكون غير متوقعة، ومؤذية للجهاز العصبي
الاهم ان لا ياخذ الفرد دور الضحية
المؤسف ان مجتمعاتنا تقدس لحظات الحزن، وتسعى لتكريسها، وكأنها صك براءة من ذنب لم يُرتكب يقدمه الحي للميت
واذا ما حصل وتعرض المكلوم ، لموقف استدعى التبسّم اللاإرادي، نتيجة الضغط النفسي الذي يعيشه يُحاسب ، وكأنه كُمِش بمذلة
وفجأة يتحوّل الناس لتغيير نمط حياتهم الطبيعي، كأحد متطلبات جلد الذات
ناهيكم عن تحرير الرجل من ارتداء اللون الأسود، وفرضه على النساء، وكأن هذا الطقس ضروري لتكريس حزنها ، وإلغاءها لذاتها، ومنعها من تجاوزه ، والمرأة التي
تتمرد على طقس ارتداء الأسود الحالك ، وتخلعه، تتعرّض للكثير من الانتقادات ، وكانها ارتكبت جريمة بحق من رحلوا ، فارتداء الاسود، او اي لون آخر هو تعبير فردي ،ولا يحق لأحد بفرضه
الإصرار على عدم مشاركة أفراح الآخرين ، حتى بولادة طفل، وكأنه إثم، والاقتصار على المشاركة بحال المرض، وفي المآتم لفترة قد تطول حسب علاقة القربى مع الفقيدة ، او الفقيد
تقييم دائم لحياة الراحلة او الراحل، ووضع علامات حسن سلوك على المستويين العام ،والخاص.
ناهيكم عن الجردة لكل من قام بواجب العزاء، ومن تخلّف لمعاقبته لاحقا، ومعاملته بالمثل ، إلا إذا كان بسبب المرض،رغم أنه هناك أسباب نفسية ،ومادية، وخاصة كثيرة تمنع ، كما من الممكن أن لا يعنيهم هذا الحدث ، وهذا من حقهم
يتحوّل الموت لحدث اجتماعي يفقد فيه المقربون قدرتهم على التعامل معه وفق سجيتهم، وعيشهم للحظات حزنهم، وتاثرهم وفق شروطهم، كالابتعاد لفترة، لاعادة بلورة الأمور الداخلية، وشفاء النفس من الم الفراق، وفك التعلقات التي تعيق دورة الحياة
من الطبيعي ان نتأثر بالموت،وبانتهاء الدور العيني لمن أحاطونا بمحبتهم ،وثقافتهم ،واحتضانهم وعطفهم ، ونتفاجىء بمساحتهم الكبيرة في حياتنا، والفراغ الكبير بغيابهم
وتكريمهم حاجة ماسة لأنهم يستحقون
لكن تعاملنا مع الموت مسالة خاصة جدا، لا يحق لأحد التدخل بها، ولا تقييمها
علينا اعادة تنقيح كل الموروث الذي جُبلنا عليه ، وتحرير انفسنا، وافكارنا، من برمجيات لم تعد تتماشى مع قيمنا الإنسانية، الأجدى ان يعمل المقربون من الصديقات ، والاصدقاء، والأقارب، على تخفيف الضغط ، وتحرير المحزون، ووضع الإنتباه على إعادته لصحته ، النفسية ، والجسدية
والفكرية ، واحترامهم لمساحته الخاصة
وتعلّم تقبّل وجهي الحياة، بالولادة ، والموت ، على أن نضع انتباهنا على غبطتنا الداخلية لأنها الأبقى
وردة لروح ابي