“رجال في الشمس” رواية للروائي القاص والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني ،الكاتب والسياسي أيضا، الصادرةسنة 1963 عن منشورات ” الرمال” في 110 صفحة من الحجم الصغير..
بدءا من العنوان لعل أول ما يثير انتباهنا هو كلمة “رجال” التي تبدو كما لو انهاتشير إلى القوة والشهامة العربية، ثم الجار والمجرور المكون من كلمتي ” في الشمس” والشمس تحيل على الضياء والدفء والحياة، لكن فحوى الرواية يحيد عن كل هذه الإشارات لتكون النهاية مؤلمة وكارثية..
تعالج الرواية مشكلة المهاجرين الفلسطينين بعد النكبة، والتوق إلى وطن الحلم والاستقرار،من خلال رحلة ثلاثة أشخاص عبر الصحراء في رحلتهم إلى الكويت، بهدف الخروج من حالة الفقر والعوز من جراء الاحتلال اليهودي لقراهم وبلدانهم.
يرافقهم “أبوالخيزران”في هذه الرحلة التي لا تخلو من خطورة، نظرا لوجود حاجزين للتفتيش في الطريق، مما يلزم على الرجال الاختباء داخل خزان الشاحنة الحديدي الذي يصطلي بنار الشمس، لتكون نهايتهم داخله، ويحاول “أبوالخيزران ” التخلص من الجثت في العراء في أحد مكبات النفايات، فلم يكلف نفسه حتى دفنهم، بل أخذ كل ما كان بحوزتهم،واكتفى فقط بإطلاق الجملة الشهيرة التي تمثل بيت القصيد في الرواية “لماذا لم يدقوا على جدران الخزان؟” ليظل السؤال مطروحا، وتتناسل منه الأسئلة التي تخص القضية إلى يومنا هذا..
يتم بناء الرواية من خلال ثمانية فصول توجههاأربع شخصيات رئيسية تتمحور حولها الأحداث هم: أبو قيس- أسعد- مروان وأبو الخيزران. لكل منهم مشكلته الخاصة، يوحدهم ضياع الوطن. إضافة إلى شخصيات ثانوية منهم “الرجل السمين” الذي لا يحمل اسما ولا هوية كإشارة لغياب إنسانيته،وشخصيات أخرى..
تقدم الرواية أحداثا تخص أمة في فترة تاريخية معينة، إذ تطال الفترة الممتدة من سنة 1948إلى 1950. وتضع بذلك لبنة ل ” الأدب القومي الفلسطيني”
فالمأساة الفلسطينية تمثلت في اقتلاع شعب برمته من المكان( الوطن ) فصار مشردا متشظيا في المنافي والمخيمات..
انطلقت أحداث الرواية من المخيم مرورا بالصحراء والبصرة مكان اللقاء بين الرجال الثلاثة وأبي الخيزران وصولا إلى الكويت،وطن الحلم بالنسبة للفلسطيني بعد اليأس من العودة..
يتناول غسان كنفاني الحكي من خلال جمل قصيرة لكنها مكثفة كقوله:” أراح أبو قيس صدره فوق التراب الندي، فبدأت الأرض تخفق من تحته، ضربات قلب متعب” ص7
وما هذا الالتصاق بالتراب إلا حنين والتصاق بالأرض/ الوطن.
يلجأ كنفاني في كتاباته إلى المجاز الذي تتفرع عنه الدلالات، كالموت خنقا داخل خزان مغلق في شاحنة يقودها سائق مخصي،كما لو كان يشير إلى العجز عن الاختيار الصحيح للقيادة المناسبة ..
كما يلجأ إلى مجموعة من الثنائيات والمفارقات، فخزان الماء الذي يحيل على الحياة صار سببا للموت،
والشمس التي هي مصدر دفء ونور، صارت جحيما يحترق بلظاها “رجال في الشمس”..